للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال إِسحاقُ الموصلي: خرج هارونُ ليلةً فوقف على الجسر، وأَومأَ إلى جثَّة جعفرٍ وقال: [من المتقارب]

تقاضاكَ دهرُك ما أَسْلَفا … وكُدِّر عيشُك بعد الصَّفا

فلا تَعْجَبَنَّ فإنَّ الزَّمانَ … رَهينٌ بتفريق ما ألَّفا (١)

قال إِسحاق: فلمَّا نظرتُ إلى جعفرٍ على تلك الحال، حرَّكتني أَياديه، فقلت: لَئن أصبحتَ للناس آية، لقد كنتَ في الجود الغاية. فغضب هارون، ونظر وهو كالجَمَل الصَّؤول وقال: [من السريع]

ما يعْجَبُ العالمُ من جعفرٍ … ما عايَنوه فبنا كانا

مَن جعفر أومَن أبوه ومَن … كانت بنو بَرْمكَ لولانا (٢)

وكان هارونُ إذا ذكر قولَ جعفرٍ: [من الخفيف]

فاغتبِقْ واصطَبحْ فقد صانني اللهُ إذ صُنتَني من الحَدَثانِ (٣)

يقول: واللهِ ما صانه من الحَدَثان، ولقد كَمَنتُ له كُمونَ الأُفْعُوانِ في أُصول الرَّيحان، حتى إذا جاءه الشَّمُّ تلقَّاه بالسَّمّ.

وقال سهلُ بن هارون: استصفى الرشيدُ أموال البرامكة، وأُحصيت فكانت ثلاثين ألفَ ألفٍ وستَّ مئة وستيِّن ألفًا، غيرَ الجواهرِ والمتاع والحُلي والثيابِ والدوابّ، وصار حَرمُهم يعيشون في صدقات مَن عاش في صدقاتهم.

وقال أبو الفضلِ ميمونُ بن هارون: حَدثتني أميةُ البرمكيةُ قالت: الناسُ يُكثرون في قصَّة البرامكة، وأَوكد الأسبابِ فيما نالهم أنَّ جعفرَ بن يحيى اشترى جاريةً مغنيةً يقال لها فنفنة (٤)، لم يكن لها في الدُّنيا نظيرٌ في الغناء وحُسنِ الخلق وسخاوةِ النَّفس، وكان


(١) مختصر تاريخ دمشق ٦/ ١٠٦. وقد نسبهما المرزباني في معجمه ص ٣٥٥ لمحمد بن يحيى اليزيدي، ونقله عنه الصفدي في الوافي ٥/ ١٨٣ - ١٨٤. ونسبهما الصولي في أشعار أولاد الخلفاء من كتاب الأوراق ص ٨٤ لعبد الله بن موسى الهادي.
(٢) مختصر تاريخ دمشق، والبداية والنهاية ١٣/ ٦٥٧.
(٣) غرر الخصائص الواضحة ص ٤٤٤٤ والوافي بالوفيات ١١/ ١٦٤ باختلاف في الرواية.
(٤) في (خ): فتنة، وفي مطبوع المنتظم ٩/ ١٣٠: فتينة، والمثبت موافق لنسخة الأصل منه، وللبداية والنهاية ١٣/ ٦٤٥.