للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثمانين ومئة.

وكان ثقةً ثبتًا فاضلًا عابدًا وَرِعًا كثيرَ الحديث، وهو أحدُ العلماءِ الزهَّاد والفتيان.

ويقال: إنَّه وُلد بسَمَزقَند، ورأيتُ (١) فيها عشرةَ آلافِ جَوزةٍ بدرهم.

ويقال: نهرُ عياض منسوبٌ إلى أبيه عياضِ بن مسعودِ بن بِشر، وبينه وبين مَرْوَ نصفُ فَرْسَخ.

وكان الفضيلُ شاطرًا يقطع الطريقَ بين أَبِيوَردَ وسَرخَس.

ذِكر توبتِه:

قال ابنُ خميس (٢): كان يَهوَى جارية، فبينا هو ذاتَ ليلةٍ يرتقي إليها الجُدران، إذ سمع قارئًا يقرأ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: ١٦] فقال: بلى قد آن. ورجع، فآواه الليلُ إلى خَرِبة، فإذا فيها رُفْقَةٌ يقولون: إنَّ أمامَكم رجلًا يقطع الطريقَ يقال له: الفُضيل، فسمع الفُضيل، فأُرعِد وقال: يا قوم، أنا الفُضيل، جُوزوا، وواللهِ لأَجهدنَّ ألا أعصيَ الله أبدًا. ورجع عمَّا كان عليه.

وقيل: إنَّه سمع امرأةً تقول لابنها في القافلةِ وهو يبكي: اُسكت، لا يسمعك الفضيل، فقال: ويلي! وبلغ من أمري أنَّ النساءَ يعيِّرن أولادهنَّ بي. فتاب ونَسَكَ.

ذِكرُ طَرَفٍ من أخبار الفضيل:

قال إبراهيمُ بن الأَشعث: سمعت الفضيلَ ليلةً يقرأ سورةَ محمَّد، ويبكي ويردِّد هذه الآية: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)[محمد: ٣١] ويقول: إنْ بلوتَ أخبارَنا فضحْتَنا وهتَكْتَ أستارَنا، إنْ بلوتَ أخبارَنا أهلكتنا وعذَّبتنا.

وسمعته يقول: تزيَّنتَ للنالس وتصنَّعتَ لهم وتهيَّأت، ولم تزل تُرائي حتى عرفوك، فقالوا: رجلٌ صالح، فقضَوا لك الحوائج، ووسَّعوا لك المجالس، وعظَموك، سَوءةً لك ما أسوأَ حالك إنْ كان هذا شأنَك.

وسمعته يقول: إنْ قدرتَ ألا تُعرفَ فافعل، وما عليك ألا تُعرف، وما عليك إنْ لم


(١) القائل هو الفضيل. انظر طبقات السلمي ص ٨، وتاريخ دمشق ٥٨/ ١٢٥.
(٢) في مناقب الأبرار ١/ ٤١.