للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا الشهر كتبت والدة القائم إلى البساسيري -من مكان كانت فيه مستترةً- رقعةً تشكو إليه ما لَحِقَها من الأذى والضرر، وهي جارية أرمنية قد ناهزت التسعين، فأفرد لها دارًا في الحريم، وأعطاها من جواريها جاريتين تخدمانها، وأجرى عليها في كل يوم اثني عشر رطلًا من الخبز، وأربعة أرطال لحم (١).

وفي يوم الثلاثاء لليلتين بقِيَتا من المُحرَّم أصعد قريشٌ إلى تكريت ومعه خاتون بنت أخي السلطان زوجة القائم، وعميد العراق مقيدًا، وكان قد راسل (٢) البساسيريُّ قريشًا في معناه، وقال: ما يجيءُ منه خير، وما في أصحاب طُغْرُلْبَك أشرُّ منه، فدعني أصلُبْه إلى جانب ابن المُسلمة، وأُعطيك من مالي خمسة آلاف دينار. فلانَ قريشٌ -وكان شحيحًا- وعلم عميدُ العراق، فراسل قريشًا وقال: أنا أفتَحُ لك قلعة تكريت، فإنَّ فيها من لا يخالفني، ثم أعطيك مالًا كثيرًا، وأُنفِذُ زوجتي إلى خراسان تُحضره. فبعث إليه البساسيريُّ بسببه، فقال قريش: أنا ما أستبقيه، وقد استقرَّ أنه يدفع إليَّ القلعة [ومالًا، فابعَثْ معي صاحبك، فإذا فُتحتِ القلعةُ] (٣) سلَّمتُه إليكَ فتقتله، فبعث معه سُخْتِكين أحدَ غلمانه الأتراك، ولم يعلم العميد بذلك، ولمَّا وصل قريشٌ إلى تكريت لم تكن له على فتح القلعة قدرةٌ ولا حيلة، فقال لعميد العراق: قد حفظتُ مُهجتَكَ من أبي الحارث مع علمِكَ بما تردَّد منه فيك، فراسلِ القومَ بتسليم القلعة كما وعدتني. فاستدعى قومًا من العجم، وراسلَ مَنْ في القلعة بالتسليم، فلمَّا حصلوا في القلعة اجتمع من فيها ووقفوا على سورها، وسبُّوا قريشًا ولعنوه، وقالوا: يا ملعون، أين ذِمامك للخليفة ورئيس الرؤساء وأعهُدِكَ وقد جرى عليهما ما جرى؟ وبالغوا في لعنته، وظنَّ قريش أن العميد وطن إليهم بذلك، فرحل عن البلد يوم الاثنين ثاني عشر صفر طلبًا للموصل بعد أن سلَّم عميد العراق إلى سُخْتِكين، وأنفذ معه صاحبًا له، فحطُّوه في سُمَّارية، وكتَّفوه وغرَّقوه.

وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر جمع البساسيريّ قاضي القضاة أبا عبد الله الدامغاني وأبا منصور بن يوسف وأبا الحسين بن الغريق الهاشمي الخطيب وجماعةً من


(١) الخبر في المنتظم ١٦/ ٤٤.
(٢) في (خ): أرسل، والمثبت من (ف).
(٣) هذه الزيادة من (ف).