للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجوه العباسيين والعلويين، وأخذ عليهم البيعة للمستنصر، واستحلفهم له، وكان ذلك في دار الخليفة، وهو معهم جالس في مجلس الخليفة (١).

وفي صفر أصعدَ ابنُ البساسيري الأصغر إلى الرَّحبة للمُقام فيها، ومجيءِ أخيه الأكبر فيها، وكتب البساسيريُّ كتابًا إلى مصر مع ختِكين، وبعث أبا طالب كافور بن الملك أبي كاليجار بن بُوَيه والفِيلة الصغيرة فقط، ولم يبعث مالًا ولا غيره، وكان البساسيريُّ مستوحشًا من أبي الفرج بن المغربي وزير مصر؛ لقبيحٍ كان يبدو منه في حقِّه، وإهمالٍ لمراسلته، واطراحِ جانبه، وإزراءٍ على رسله، وصوَّر ابنُ المغربي في نفس صاحب مصر أنَّ هذا قد أخذ الأموال، واستولى على البلاد، وهو بين أمرين؛ إمّا أن يقوى علينا فيفعلَ بنا كما فعل بالغير، أو يكون طريقًا إلى مجيء العساكر الخراسانية إلى بغداد ثم إلى الشام، وأنَّ الذي فعله ما كان برجاله ولا باجتهاده، وإنما كان بسعادتنا ومالنا، وكان في الكتاب إلى مصر: سلامُ الله على سيدنا ومولانا الإمام المستنصرِ بالله أميرِ المؤمنين -وصلاتُه وتحيّاتُه- المُنتجبِ من العنصر الطاهر، والشيخِ ذي المفخر الباهر، والكوكب الطالع الزاهر، المستخلَص لحفظ الدين ورعاية الأمم أجمعين، أصدرَ مملوكُ المواقف المقدسة- زاد الله في أنوارها، وأعَرَّ (٢) كافر (٣) أنصارها -وأطال الدعاء، إلى أن قال: وأمكنتِ الفرصةُ في بلوغ الغرض؛ من قصد العراق، والانتقام من أهل الشقاق، وإقامة الدعوة الشريفة في الآفاق، فحينئذ سار في خَفارة (٤) أدعية المواقف الشريفة، والبركاتُ عليه غادية ورائحة، وأيدي الرشيد ليمينه معاهدةٌ مصافِحة، فكان دخولُه بغداد في يوم الأحد ثاني ذي القعدة في طالعٍ توفَّرَتْ سعودُه، وعظُمَتْ جدودُه، وانتظمَتْ عقودُه، فألفى مدينة السلام متهدِّمةَ البنيان، ساقطةَ الجدران، قائمة على عروشها، مَرْتعا لِبُومِها ووُحوشِها، ووجد أهلَها كما [لو] نُبِشوا من القبور؛ لما قاسوه من تصاريف الأمور، فوقع دخولُه عندهم موقعَ الشفاء من


(١) الخبر في المنتظم ١٦/ ٤٤.
(٢) من المعَرَّة، وهي الأمر القبيح والأذى والإساءة. تاج العروس (عرر).
(٣) في (ف): كافور!
(٤) الخَفارة -بفتح الخاء-: الذمة والعهد. اللسان (خفر).