للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الألَم، والبرء من السَّقَم، وتلقَّوه مُتنسِّمين نسيمَ السلامة، راجين افتتاح تلك الغمامة، مُتمسكين به تمسّكَ الولد بالوالد، والطالب للواجد، فتعطَّفَ عليهم بقلبٍ خاشع، وطَرْفٍ دامع، ثمَّ إنه أقام الدعوة في الجانب الغربي، وعقد الجسر وأقامها في الجانب الشرقي، وخيَّم بمكان يقال له: الزاهر، وهو على دجلةَ في وسط البلد قريب من الدار، التي احتقنَتْ فيها الآثامُ والأوزار، فآذَنَتْ بالخِذْلان والبوار، وكان أعداءُ الله الطاغون قد جمعوا ما يزيد على أحد عشر ألف نفْسٍ من التُّرك والعجم والهاشميين والخَوَل، ظنّا منهم أنهم يُثبِتون المقارعة والمساجلة والمنازعة، إلى أن تأتيهم من خراسان نجدةٌ تُخلِّصهم من الحصار، ويكون بعدوّهم سببًا إلى الرجوع والانكسار، وكانوا في مضايقَ لا تجول فيها الخيول ولا تتمكن، وإن كثُرَ فهو مقهور إلى يوم الاثنين سلخ ذي القعدة، فإنهم فتحوا بابًا من الأبواب، ورشقوا بالنُّشّاب، فأكبَّ عليهم الشجعان، وركبتهم الفرسان، فما كانت إلا ساعة من ساعات الزَّحْف، حتى حلَّ بهم الخَسْف، وصاروا تحت أيدي الخيول كالسحيق، ودماؤهم تنزل كالرحيق، فأجلَتِ الوقعةُ عن القتلى، وهم ثمان مئة نفس، فيهم نقيب الهاشميين والقاضي النائب عن عميد العراق، وابن المأمون، وغيرهم، فاستأمن منهم جَمّ غفيرٌ، منهم: العميد، وخلقٌ كثير، وملك العباسي -يعني الخليفة- وقاضي القضاة، والحجَّاب، والأعيانُ، والأصحاب، ووقعوا كالسمك تحت الشبك، ونُهِبَتِ الدار، وأُخِذَ منها من الأموال والجواهر واليواقيت والخيل والثياب ما يكثر عددُه، ولا يُحصى أمدُه، وحُمِلَ العباسيُّ إلى حديثة عانة محتاطًا عليه إلى أن يخرج الإذن الشريف في معناه، وأمَّا ابن المُسلمة فإنَّه عذَّبه بأنواع العذاب، وصلبه على أقبح الوجوه، وجعله عبرةً لمعتَبِر، وموعظةً لمفتَكِر، وذكر كلامًا طويلًا، وكتب إلى العزيز كتابًا من هذا الجنس، وصادر البساسيريُّ كتابَ الخليفة والوزير وغيرهم على ألوف كثيرة.

وفي ربيع الأول خرج البساسيري إلى زيارة المشهدين، وكان دُبيس بمُطيراباذ، فراسله بأن يجعل طريقه عليه، فجاء إليه، فخرج واستقبله وأضافه، وسأله في معنى أبي عبد الله المردوسي، فاستعفاه من الخطاب في أمره، وعدَّد أشياء كانت في نفسه، ثمَّ استقر بينهما الانحدار إلى واسط، وتدبَّر أمر أبي كاليجار هزارسب -وكان بالبصرة-