للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعاتهم (١)، وعاد داعيةً (٢) للقوم ورأسًا فيهم، فحصلت له هذه القلعة، وكانت سيرتُه في دعائه أنَّه لا يدعو إلَّا غبيًّا، لا يفرِّق بين يمينه وشماله، ولا يعرف من أمور الدنيا شيئًا، ويطعمه الجوز والعسل والشونيز حتَّى ينشط دماغه، ثم يذكر له حينئذٍ ما تمَّ على أهل البيت من العدوان والظلم، حتَّى يستقرَّ ذلك في نفسه، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقةُ والخوارجُ سمحوا بنفوسهم في القتال مع بني أمية، فما سببُ تخلُّفِكَ بنفسك عن نُصرة إمامك؟ فيتركه بهذه المقالة طعمةً للسِّباع.

وكان ملك شاه قد أنفذ إلى ابن الصبَّاح يدعوه إلى الطاعة، ويتهدَّده ويأمره بكفِّ أصحابه عن قتل العلماء والأمراء، فقال الرسول: الجواب ما تراه، ثم قال لجماعةٍ وقوفٍ بين يديه: أريد أن أُنفذكم إلى مولاكم في حاجة، فمن ينهض لها؟ فاشرأبَّ كلُّ واحدٍ منهم لذلك، فظنَّ الرسولُ أنها رسالة يُحَمِّلها إياهم، فأومأ إلى شابٍّ منهم وقال: اقتُلْ نفسَك. فجذب سِكِّينه، وضرب بها غَلْصَمته فخرَّ ميتًا، وقال لآخر: ارمِ بنفسك من القلعة. فألقى نفسه فتقطَّع، ثم التفت إلى الرسول وقال: لهم عندي من هؤلاء عشرون ألفًا هذا حدُّ طاعتهم. فعاد الرسولُ وأخبر ملك شاه، فعجب وأعرض عن كلامهم.

وصار بأيديهم قلاعٌ كثيرةٌ منها قلعة على خمسة فراسخ من أصبهان، وكان حافظُها تركيًّا، فصادفه نجَّارٌ باطني، وأهدى له جاريةً وفرشًا ومركبًا، فوثِقَ به، وكان يستنيبه في حفظ القلعة، فاستدعى النجارُ ثلاثين رجلًا من أصحاب ابن عطاش، وعمل دعوةً، ودعا التركيَّ وأصحابَه، وسقاهم الخمر، فلمَّا سكروا رفع الثلاثين رجل بالحبال إليه، وسلَّم القلعة إليهم، فقتلوا أصحاب التركي، وسَلِمَ التركيُّ وحدَه وهرب، وصارت القلعةُ في يدي عطاش، وتمكَّنوا وقطعوا الطرقات ما بين فارس وخوزستان، وانصرف جماعةٌ من أصحاب جاولي إليهم، وصاروا معهم، وحسَّنوا لهم اتباعَ جاولي والاستيلاء على ماله، فقصَدَه ثلاثُ مئة من صناديدهم، وعلم بهم، فلمَّا توسَّطوا الشعب عاد عليهم وأصحابُه فقتلوهم، ولم يُفلِتْ منهم أحد، وكان جماعة منهم في


(١) في (خ): عادتهم، والمثبت من (ب) والمنتظم وتاريخ الإسلام.
(٢) بعدها يبدأ سقط من الأصل (ب).