للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عسكر بركياروق، فاستغووا خلقًا منهم، فوافقوهم، فاستشعر أصحابُ السلطان منهم، ولبسوا السلاح، ثم قتلوا منهم نحو مئة رجل.

وكان بالصَّيمر -وهو بلد من أعمال المشان- رجلٌ منهم يقال له: ابن الشيباش، ويتزهَّد ويدَّعي الكرامات، فمِنْ ذلك أنَّه أحضر يومًا جَدْيًا مشويًّا، وكان عنده جماعة، فلمَّا أكلوا أمر بَردِّ عظامه إلى التَّنُّور، فرُدَّت، وجعل على التَّنُّور طبقًا، ثم رفعه بعد ساعة، فوجدوا جَدْيًا يرعى حشيشًا، ولم يروا للنار أثرًا، ولا للرماد خبرًا، فتلطَّف بعضُ أصحابه حتَّى عرف القصة، وأن ذلك التَّنُّور كان يُفضي إلى سرداب وبينهم طبق من حديد يدور بلَولَب، فإذا أراد إزالة النار عنه فركه، ثم يُنزِلُ مكانَه طبقًا آخر مثله.

وقال الغزالي: قد شاهدتُ قصة الحسن بن الصبَّاح لمَّا تزهَّد تحت حصن الموت، وكان أهل الحصن يتمنَّون صعوده إليهم، فامتنع، وكان مدة مُقامه تحت الحصن يقول: أما ترون المنكر كيف قد فشا؟ وفسد الناس، فصبا (١) إليه خلق كثير، فخرج الأمير صاحب الحصن إلى الصيد، وكان أكثرُ تلامذته في الحصن، فأصعدوه إليهم، وملَّكوه الحصن، وبعث الأمير مَنْ قتله، ولمَّا كثُرت قلاعُهم واشتغل أولادُ ملك شاه عنهم باختلافهم اغتالوا جماعةً من الأمراء والأعيان فقتلوهم.

وفيها التقى محمد شاه وبركياروق، وكان بركياروق قد قصد خوزستان وانضمَّ إليه أولاد بُرْسُق وإياز، وسار يطلب أخاه محمد شاه وهو بأصبهان وقد جمع خلقًا من التركمان في خمسة عشر ألفًا، وكان بركياروق في خمسة وعشرين ألفًا، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وقُتِلَ من الفريقين عددٌ كثير، فانهزم محمد شاه، وهرب وزيرُه مؤيد الملك بن النظام، فتبعه غلمان بركياروق، فأخذوه (٢) وجاؤوا به إلى بركياروق، فقام إليه وضرب عنقه بيده، وقال: هذا بوالدتي، فكانت وزارتُه سنةً وأحد عشر شهرًا وعمره خمسون سنة، ومضى محمد شاه إلى أخيه سنجر شاه، وكان له في خراسان، فاستجار به لينجده على بركياروق، فأرسل سنجر إلى بركياروق يسأله في محمد، فقال: لابُدَّ أن يطأ بساطي. فامتنع عليه محمد، واستفزَّ عليه طوائف الترك، وكان محمد شاه لمَّا كتب إلى


(١) هكذا في الأصل (خ)، وفي المنتظم: فرسًا، وفي تاريخ الإسلام: قوسًا.
(٢) في تاريخ الإسلام: فصار.