للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عملك، وابعث إليه غيري، فبعث إليه علي الأشترَ أميرًا على مصر، حتى إذا صار بالقُلْزُم شرب شَربة من عسلٍ كان فيه حتفُه، فبلغ أمره معاوية فقال: إن لله جنودًا من عَسَل، وبلغ عليًّا موتُ الأشتر، فبعث محمد بنَ أبي بكر أميرًا على مصر (١).

قلت: والأصحُّ أن أمير المؤمنين بعث الأشتر على مصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر، وأن الأشتر حَضر حروب صفّين لما نذكر في موضعه، وقد نص عليه هشام بن محمد.

وقال هشام بن محمد، عن أبي مِخْنَف -وجه آخر في حديث قيس بن سعد ومعاوية- قال: لما أيس معاوية من قيس بن سعد مُتابَعته على أمره، شقَّ عليه لما يَعرف من حَزْمِه وبأسِه، فأظهر للناس أن قيسًا قد بايعه، واختَلقَ معاوية كتابًا، فقرأه على أهل الشام، وفيه:

أما بعد، فإني لما نظرتُ رأيتُ أنه لا يَسَعُني مُظاهرةُ قومٍ قتلوا إمامَهم مُحرمًا مسلمًا بَرًّا تقيًّا مستغفِرًا، وإني معكم على قَتَلَتِه بما أحبَبْتُم من الأموال والرجال، متى شئتم عَجِلتُ إليكم.

قال: فشاع في الشام أن قيسًا قد بايع معاوية، وبلغ ذلك أمير المؤمنين، فأكبر ذلك وأعظمَه، فقال له عبد الله بن جعفر: دَعْ ما يَريُبك إلى ما لا يَرِيبُك (٢)، اعزلْ قيسًا عن مصر، فقال علي: والله ما أُصدّق هذا على قيس، قال: اعزله، فبينما هم على ذلك إذ جاء كتابُ قيسٍ إلى علي: أما بعد، فإني أُخبر أمير المؤمنين أن قِبَلي رجالًا معتزلِين، قد سألوني أن أَدعَهم على حالهم، حتى يستقيم أمرُ الناس ويَرون رأيَهم، وقد رأيتُ أن أكفَّ عنهم، ولا أتعجَّل حربَهم، وأن أتألَّفَهم فيما بين ذلك، لعل الله أن يُقبل بقلوبهم.

فقال عبد الله بن جعفر: ما أخوَفَني أن يكون هذا مُمالأةً لهم منه، فَأمُره بقتالهم.

فكتب إليه علي: أما بعد، فسِرْ إلى القوم الذين ذكرتَ، فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلا فناجِزْهم.


(١) تاريخ الطبري ٤/ ٥٥٢ - ٥٥٣.
(٢) قوله: دع ما يريبك … حديث أخرجه أحمد (١٧٢٣) عن الحسن .