وأما قولك: إن معك أعنَّةَ الخيل، وأعدادَ الرجال، فوالله لتُشْغَلَنَّ بنفسك حتى تَتمنّى العَدَم.
قال هشام: ولما رأى معاويةُ قيس بنَ سعد لا يَلينُ له كاده من قِبَل أمير المؤمنين.
وكذا روى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه بإسناده، عن الزهري، وحكى الطبريّ طرفًا منه قال:
كان قيس بن سعد من ذوي البَأس، صاحبَ راية الأنصار مع رسول الله ﷺ، فكان على مصر من قِبَل علي ﵇، وكان معاوية وعمرو بن العاص جاهدَين على أن يُخرجاه منها ليَغلِبا عليها، وكان قد امتنع منهما بالدَّهاء والمكايدة، فلم يقدرا على أن يَفتتحا مصر، حتى كاد معاوية قيس بنَ سعد من قبل أمير المؤمنين.
فكان معاوية يُحدِّث رجالًا من ذوي الرأي من قريش يقول: ما ابتدعتُ قطّ مُكايدةً كانت عندي أعجبَ من مَكيدةٍ كِدتُ بها قيس بنَ سعد من قبل علي وهو بالعراق، حين امتنع مني قيس، قلتُ لأهل الشام: لا تسبُّوا قيسًا فإنه لنا شِيعةٌ، وتأتينا كُتُبه ونصائحُه سرًّا، ألا ترون ما فعل بإخوانكم أهل خَرِبتا؛ يُجري عليهم أُعطياتهم وأرزاقَهم، ويُحسن إليهم.
قال معاوية: وكتبتُ إلى جواسيسي بالعراق يَتحدَّثوا به، فرفعه إلى علي محمد بنُ أبي بكر وعبد الله ومحمد ابنا جعفر بن أبي طالب، فلما بلغ عليًّا اتهم قيسًا، وكتب إليه يأمُره بقتال أهل خَرِبْتا، وأهلُ خربتا يومئذ عشرةُ آلاف، فأبى قيس أن يُقاتلهم، وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر وأشرافُهم، وأهل الحِفاظ منهم، وقد رَضُوا مني أن أؤمِّن سِربَهم، وأُجري عليهم أرزاقهم، وقد علمت هواهم مع معاوية، فلستُ مُكايدهم بأمرٍ أهون علي وعليك من الذي أفعل بهم، فلو غَزوناهم كانوا أشدَّ العرب، وهم أُسود، منهم بُسْر بن أرطأة ومَسلمة بن مخلَّد ومعاوية بن حُديج، فذرني فأنا أعلم بما أُداري به منهم.
فكتب إليه علي: لا بدَّ من قتالهم، فكتب إليه قيس: إن كنتَ تَتَّهمني فاعزلني عن