عظيمًا من الأمر، وجئتم شيئًا إِدَّا، فتُبْ إلى الله يا قيس بن سعد؛ فإنك ممّن أعان على عثمان، إن كانت التوبةُ من قتلِ المؤمن تُغني شيئًا.
وأما صاحبُك فقد تيقَّنّا أنه الذي أغرى به، وحَمَلهم على قتله حتى قتلوه، وأنه لم يَسلم من دمه عُظْمُ قومِك، فإن استطعتَ أن تكون ممَّن يَطلب بدم عثمان فافعل، فإن بايعتَنا على هذا الأمر فلك سُلطان العراقَين، ولمن شئتَ من أهلك سُلطانُ الحجاز ما دام لي سلطان، وسَلْني غير هذا مما تُحبّ، فإنك لا تسألني شيئًا إلا أُوتيتَه، واكتب إلي برأيك فيما كتبتُ به إليك، والسلام.
فلما جاءه كتابُ معاوية أحب قيس أن يُدافعَه، ولا يُبدي له أمرَه، ولا يَتعجَّل حَرْبَه، فكتب إليه:
أما بعد؛ فقد بلغني كتابُك، وفهمتُ ما ذكرتَ فيه، فأما ما ذكرتَ من أمر عثمان فذلك أمرٌ لم أُقارِفه، ولم أتَنَطَّف به. وأما قولُك إن صاحبي أغرى الناس بعثمان، فهذا أمرٌ لم نَطَّلع عليه، وذكرتَ أن مُعظم عشيرتي لم يَسلموا من دم عثمان، فأوّلُ الناس فيه قيامًا عشيرتي، ولهم أُسوةٌ غيرهم. وأما ما ذكرتَ من مُبايعتي إياك، وما عرضتَ عليّ؛ فلي فيه نظرٌ وفكرة، وليس هذا مما يُسارَع إليه، وأنا كافٌّ عنك، ولن يَبدوَ إليك من قِبلي شيءٌ تكرهه، والسلام.
فلما قرأ كتابَه معاوية لم يره إلا مُباعدًا مُفارِقًا، ولم يأمن مَكيدتَه فكتب إليه:
أما بعد؛ فقد قرأتُ كتابَك فلم أرك تدنو فأَعُدُّك سِلمًا، ولم أرك مُباعدًا فأعُدُّك حَرْبًا، وليس مثلى من يُخدَع وبيده أعِنَّةُ الخيل، ومعه أعداد الرجال، والسلام.
فلما قرأ قيس كتابَه، ورأى أنه لا يَقبل منه المدافَعة والمماطَلَة، أظهر له ما في نفسه، وكتب إليه:
أما بعد، فالعَجَبُ من اغتِرارك يا معاوية، وطمعِك فيَّ، تسومُني الخروجَ من طاعة أَولَى الناس بالإمْرة، وأقومِهم بالخلافة، وأقولِهم بالحق، وأهداهم سبيلًا، وأقربِهم إلى رسوله وَسيلةً، وأوفرِهم فضيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك؛ طاعةِ أبعدِ الناس من هذا الأمر، وأقولِهم بالزُّور، وأضلِّهم سبيلًا، وأبعدِهم من الله ورسوله، ولدِ ضالّين