للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على هذا المكتوب، يدخل على أمير المؤمنين -أَعَزَّ اللَّه أنصاره- ويقبِّل الأرضَ بين يديه، ويقف ويسأله العفو عنه، والصَّفْحَ عن جُرْمه، فقد ظهر عندنا من الآثار السَّمائية والأرضية ما لا طاقةَ لنا بسماع مِثْلها دون المشاهدة من الرِّياح العواصف، والبروق الخواطف، وتزلزلِ الأرض، ودوامِ (١) ذلك عشرين يومًا وتشوُّشِ العساكر، وانقلابِ البُلْدان، ولقد خِفْتُ على نفسي من جانب الله تعالى وظهورِ آياته، وجانبِ المخلوقين والعساكر، وتغيُّرهم عليَّ، وامتناع النَّاس من الصَّلاة في الجوامعِ، وكَسْرِ المنابر، ومَنْعِ الخطباء ما لا طاقةَ لي به، فالله اللهَ تتلافى أمرك، وتحقن دماءَ المُسْلمين، وتعيد أميرَ المؤمنين إلى مُسْتَقَرِّ عِزِّه، وتُسَلِّم إليه دُبَيسًا ليرى رأيه فيه، فإنَّه هو الذي أحوجَ أميرَ المؤمنين وأحوجنا إلى مِثْل هذا، وعَجِّلْ، وانصِبْ له السُّرادِق، واضرِبْ له الخيام والتَّخْت، واحملِ الغاشيةَ بين يديه، أنتَ وجميعُ الأمراء، كما جرت عادتُنا وعادةُ أهلِ بيتنا وآبائنا في خِدْمة هذا البيت.

وكان مِحالًا (٢) من سنجر ليدفعَ عنه التُّهَمَة.

فلما وقَفَ مسعودٌ على كتاب سنجر بعث بالوزير أنوشروان -وكان قد استوزره ثانيًا، وشَهِدَ معه هذه الوقعة- وبعث معه بنظر الخادم إلى الخليفة يستأذن في دخوله عليه، فأَذِنَ له، فدخل، فقبَّل الأرضَ بين يديه ووقف معتذرًا متنصِّلًا، يسألُ العفو والصَّفْحَ عن جُرْمه، والخليفةُ مُطْرِقٌ ساعةً، ثم رَفَعَ رأسه، وقال: قد عُفي عن ذنبك، فاسْكُنْ إلى ذلك، وطِبْ نَفْسًا.

وكان قد ضُرِبَ له التَّخْت في سُرادق، فقدَّمَ له فرسًا لم يكُ عند مسعودٍ من خيل الخليفة التي أُخذت غيره، وسأله الركوب، فركب، وكان بين الموضعين نصف فرسخ، ومسعود بين يديه، على كتفه الغاشية، ويده في لجام فرس الخليفة، وجميع الأمراء يمشون بين يديه حتى دخل السُّرادق، وجَلَسَ على التخت، ووقف السُّلْطان بين يديه زمانًا، فأمره بالجلوس، فأبى، ثم سأل الخليفةَ أن يشفِّعَه في دُبَيس، فأجابه، فجاؤوا به مكتَّفًا بين أربعة، ومع أحد الموكلين به سيفٌ مجذوب، ومع آخر شقة


(١) في (ع) و (ح): ودام، والمثبت من "المنتظم": ١٠/ ٤٧.
(٢) المحال: المكر. انظر "اللسان" (محل).