للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها، وأصبح سالمًا، فعجِبَ الجيرانُ من ذلك، فأقام مدة، [فلما كان في بعض الأيام رَدَّ المِفْتاح على أصحابها] (١) ومضى.

فَسُئِلَ عن ذلك، فقال: لما دَخَلْتُ إليها أوَّلَ ليلة صَلَّيْتُ العِشاء الآخرة، وقرأتُ جزوي من القُرآن، وإذا بشابٍّ قد صَعِد من البئر، فَسَلَّم عليَّ، فَبُهِتُّ، فقال: لا بأسَ عليك. وجَلَسَ بين يديّ، وقال: عَلِّمني شيئًا من القرآن. فشرعت أُعَلِّمُه، فلما فَرَغْت، قلتُ له: هذه الدار، كيف حديثها؟ فقال: نحن قوم من الجِنِّ مسلمون، نقرأ القرآن، ونصلي، ونحبُّ الصَّالحين، وهذه الدَّار ما يكتريها إلا الفُسَّاق وشُرَّاب الخمور، ويجتمعون على الشرب والفَسَاد، فنخنُقُهم، [وأما أنت فجئت قرأت القرآن] (٢)، وصلَّيتَ أحببناك. قال: فقلتُ: ففي اللَّيل أخافُ منك، فاجعل مجيئَك إليَّ في النَّهار، فقال: نَعَمْ. فكان يصعد من البئر في النهار، فأُلقِّنُه القرآن، فأقام على ذلك مُدَّة إلى هذه الأيام، بينا هو قاعد عندي يتلقَّن وإذا بمُعَزِّمٍ يقول في الدَّرْب: المُعَزِّم المُرقي من الدَّبيب ومن العَيْن ومن الجِن. فقال لي: أيش هذا؟ قلتُ: هذا مُعَزِّم يعرفُ أسامي الله تعالى، يفعل ما قد سَمِعْتَ. فقال: قُمْ واستدعيه ولا تَخَفْ. فقمت، وصحتُ به ودخلت، وإذا بالجنيِّ قد صار ثعبانًا في السَّقْف كأنه النخلة [قال] (٣): فَضَرَبَ المُعَزِّم المَنْدَل، وقرأ وذَكَرَ أسامي الله تعالى، فما زال الثعبان يتدلَّى حتى سَقَطَ في وسط المندل، فقام ليأخذَه، ويدعه في الزَّنْبيل (٤)، فَمَنَعْتُه، فقال: هذا صيدي تمنعني منه! فأعطيتُه دينارًا وأخرجته، فانتفضَ الثُّعبان وخَرَجَ الجنيّ، وقد ضَعُفَ واصفَرَّ وذاب، قلتُ: ما لك؟ قال: قتلني هذا الرجل بهذه الأسامي، وما أظنني افلح، فاجعلْ بالك الليلة وقتَ المغرب، متى سمعت من البئر صُراخًا فاخْرُجْ، ولا تقعد فتهلك. ثم وَدَّعني، ونزلَ البئر، فلما كان وقتُ المغرب سمعتُ من البئر صراخًا وامرأة تقول: وَيْه، وَيْه. فانهزمتُ إلى باب الدَّار. قال ابنُ عقيل: وامتنع أحد أنْ يسكن تلك الدار.

وكان ابن عقيل يتقرَّب إلى أهل مذهبه ولا يقبلونه، ويتلطَّفُ بهم ويؤذونه لصحبته الفلاسفة


(١) في (ع) و (ب) فأقام مدة، ثم رد المفتاح ومضى، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ع) و (ب): وأنت جئت فقرأت وصليت، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) الزنبيل، ويقال الزَّبيل والزِّبِّيل: القُفَّه. "معجم متن اللغة": ٣/ ١٤، ٦٢.