وقد روى الوالبي عن ابن عباس بمعناه قال: ذبح فرعون في طلب موسى تسعين ألفًا من بني إسرائيل، قيل: وكانت القابلة التي وكلها بأمِّ موسى مصافيةً لها، فلما ولد موسى ووقع على الأرض لاح نورٌ بين عينيه، فهالها وهابته، فقالت لأمِّه: احفظي ولدك، فهذا هو المطلوب الذي أُخْبرنا بأنه عدوُّنا لأنها كانت قبطيَّة، وهجم عليها الشرط، والتنور يُسْجَر، فلفَّته في خرقةٍ، وألقته فيه، وغشي على أمه من الخوف، وخرج الشرط فقالت أمه لأخته - واسمها مريم، وقيل: كانت له أخت أخرى يقال لها كلثم -: أين الصبي؟ فقالت: لا أعلم، فسمعت بكاءَه من التنور، فألهمها الله أن تصنع له تابوتًا وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ والوحي هنا: هو الإلهام. قال الأصمعي: قلت لأعرابية: ما أفصحك، فقالت: أبعد قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ فصاحة؟ فجمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين. فاشترته من نجار، فقال لها: ما الذي تصنعين به؟ فقالت: أضع فيه ابنًا لي أخاف عليه كيدَ فرعون، فمضى النجار ليغمز عليها فأخرسه الله، فجعل يشير بيده فلم يفهموا إشارَتَهُ، ثم آمن بعد ذلك بموسى. فألقته في اليمِّ، وكانت لفرعون ابنة برصاء قد أعيا الأطباءَ داؤها، وقالت الكهنة: لا تبرأ إلا من قبل إنسان يوجد في البحر عند شروق الشمس، في وقت كذا وكذا، فاتفق جلوسُ فرعون في تلك الساعة على جانب النيل، وعنده ابنته البرصاء وآسية، وإذا بالتابوت يضربه الموج وقد تعلَّق بالشجر، فابتدروه بالسفن فأخذوه، فعالجوه فلم يقدروا على فتحه، ودَنتْ منه آسيةُ ففتحته، فلاحَ نورٌ عظيم من بين عينيه، وقد جعل الله رزقه في إبهامه وهو يمصُّ فيدرُّ لبنًا، وأخذت ابنة فرعون من ريقه فلطخت به برصها، فبرئت من وقتها، فقَبَّلَتْهُ وضمَّته إلى صدرها وفرعون ينظر، فقال الغواة من قومه: إنَّا نظنّ أن هذا المولود هو الذي يزيل ملكك، وإنهم خافوا عليه منك فألقوه في البحر، فاقتله، فهمَّ بقتله فمعته آسية وقالت: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩] فوهبه لها، وقال: أما أنا فلا حاجة لي فيه. قال ابن عباس: لو قال فرعون مثل ما قالت آسية ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي﴾ [القصص: ٩] لهداه الله كما هداها، ولكن أحبَّ الله أن يجري فيه سابق علمه.
قوله تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] أي: سالمًا من كل شيء