للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سليمان على ملكه. حتى أصابه الجهد، واشتدَّ عليه البلاءُ، فلما تمَّ عليه أربعون يومًا، قال آصف بن برخيا: يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من خلافِ حكم ابن داود ما رأيتُ؟ قالوا: نعم، فعمد الشيطان عند ذلك فألقى الخاتم في البحر، فاستقبله جِرِّيٌّ فابتلع الخاتم، فصار في جوفه مثل الحريق من نور الخاتم، فاستقبل جريةَ الماء فوقع في شباك الصيادين الذين كان سليمان معهم. فلما أمسوا اقتسموا السمك وأسقطوا الجريَّ وجعلوه لسليمان، فذهب به إلى أهله وأمرهم أن يصنعوه ونام، فلما شقُّوا بطنه أضاء البيتُ من نور الخاتم، فدعت المرأة سليمان وأرته الخاتم فتختم به وخرَّ ساجدًا لله، وحمد الله وأثنَى عليه فقال: ربِّ أتمَّ نعمتك عليَّ واغفر لي ما سلف، وهبْ لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي، فذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ (١).

قال: وروي عن عكرمة أنَّ سليمان لما أصاب الملك أمر فحمل أهل ذلك البيت فوضعهم وسط المملكة، ولم يكن سليمان نال تلك المرأة حتى ردَّ الله عليه ملكه (٢). هذه صورة ما ذكره الموفق في "التوابين".

وقوله: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ يدل على أنه أعطيَ الملك الذي ﴿لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ بعد وقوعه في المحنة كما قال علي .

وروي عن وهب بن منبه أنه ذكر هذه القصة، وقال فيها: اسم المرأة التي أخذها سليمان من الجزيرة جرادة فأسلمت، وفي قلبها من قتل أبيها ما فيه، وأنه بعدما كسر الصنم وعاقب المرأة وولائدها، دعا بثياب الطهرة، وهي ثياث لا يغزلها إلا الأبكار ولا تمسُّها امرأة رأت الدم، فلبسها وخرج إلى الفلاة فجلس على الرماد، كذا ذكره (٣).

قال ابن عباس: أمينته التي كان يدع الخاتم عندها أم ولده. فأتاها الشيطان صاحب السحر، واسمه صخر، فأخذ الخاتم منها، وفيه، فقال آصف: يا بني إسرائيل أَمْهِلوني حتى أسأل نساءَ سليمان هل يأتيهنَّ، فدخل عليهن فسألهن فقلن: ما يدعُ امرأة منا في


(١) كتاب "التوابين" ص ٥٠.
(٢) كتاب "التوابين" ص ٥١.
(٣) انظر "زاد المسير" ٧/ ١٣٣.