من شُربه ليلًا ونهارًا، ويكثر التخليط، و [كانت] إمارتُه أربعًا وعشرين سنةً وتسعةَ أشهر، وحُمِلَ من أَرَّجان إلى الكوفة، فدُفن عند أبيه، وكان ورد كتابُه على فخر الملك أنَّه قد عهد إلى ولده أبي شجاع، وأقامَه مقامَه، وأن يأخُذَ له البيعة، فجمع الدَّيلم وغيرهم، وقرأه عليهم، ثم أظهر وفاتَه.
وقال نصر بن الحسين بن الصقر المعني وكان خِصِّيصًا ببهاء الدولة: لمَّا اشتدَّت العِلَّةُ به وقفَتْ حركتُه دعاني وقال: قد عرفتَ ميلي إليك، وعنايتي بك، وأريد أن تتولَّى خدمتي ولا تفارقني. فقلت: سمعًا وطاعةً. فلازمتُه والصرعُ يعتريه، فانحلَّت قُواه وسقطت، ولمَّا كان يومُ وفاتِه أُغمي عليه وأسكت، ودخل أبو الخطاب حمزةُ بن إبراهيم وكان يدخل عليه بكرةً كلَّ يوم وبيده قدحُ ماء الشعير، فيسقيه ثم يخرج ولا يعود إلى مثل ذلك الوقت، فلمَّا رآني حارَ ودَهِشَ وما كان يكلِّمني قبل ذلك؛ لحقارتي عنده، فقال لي: يا حاجب، ما ترى ما نحن فيه ما بقي أحدٌ من أصحاب هذا الملك إلَّا وقد أعدَّ لنفسه مِن حَدَثِ حادثة جِهةً يهرب إليها سواي، وقد عزمتُ على إحضار الأميرين أبي شجاع وأبي طاهر وأُسْلِم إليهما الأمرَ والخزائنَ والعساكرَ بما أوصى إليَّ فيهما. ثم بكى، ففتح بهاء الدولة عينه كالمُنكِرِ لذلك، فقام أبو الخطاب وخرج، ودمعَتْ عينُ بهاء الدولة، ورُوسِلَ أبو طاهر بالحضور لسماع وصيته فامتنع، فأظهروا أنَّه أوصى إلى ولده أبي شجاع، فأنكر ذلك أبو طاهر، وقصد دار المملكة، وأراد أن يدخل من بعض أبوابها، فدفعوه عنه، وقال له خواصُّ أبيه: أخوكَ أبو شجاع أكبرُ منك، وقد أوصى إليه أبوك. فقال: أمَّا سِنُّه فما بيني وبينه إلَّا شهور، وأمَّا وصية أبي إليه فما هو صحيح، فحلفوا له عليها، واتَّفقوا على أن يُفرِدوه بالبصرة وأعمالها، وأن يُعطوه مالًا وثيابًا ودوابَّ، فرضي.
وأُخرِجَ تابوتُ بهاء الدولة وصُلِّي عليه، وبُعِثَ مع أبي منصور مردوست إلى الكوفة، وجلس فخر الملك ببغداد للعزاء فِي دار المملكة ثلاثةَ أيام، ولبس السَّواد، وفعل الجند والكُتَّاب كذلك، وراسل الخليفةَ فِي إقامة الخطبة لأبي شجاع، فتوقَّف، ثم أذن، وقال الخطيب: اللهمَّ وأصْلِحِ الملِكَ السيدَ الأجلَّ أبا شجاع، مولى أمير المؤمنين، وارحَمِ الملِكَ بهاء الدولة. وكتب إلى البلاد بذلك على رسم بهاء الدولة،