للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحواضن، وكان يحيى وأولادُه معه، فلم يُطْهر لهم شيئًا.

القولُ الثاني: قال أبو محمَّد اليزيدي (١): دفع الرشيدُ يحيى بنَ عبد الله بنِ حسن بنِ حسنٍ إلى جعفر، فحبسه عنده، ثم دعا به ليلةً فسأله عن شيءٍ من أمره، فأَجابه، إلى أن قال له: اتَّقِ الله في أمري، ولا تتعرَّض لأن يكونَ خصمَك غدًا محمَّد ، فوالله ما أحدثتُ حَدَثًا، ولا آويت مُحدِثًا. فرقَّ له جعفرٌ وقال: اذهب حيث شئتَ من بلادِ الله، فقال: كيف أَذهب ولا آمن أن أؤخذَ بعد قليل، فوجَّه معه مَن أدَّاه إلى مأمنه، وبلغ الخبرُ إلى الفضل بنِ الربيع، فأَخبر الرَّشيد، فزبره فقال: لا أمَّ لك، أين أنت وهذا الأَمر، فانكسر الفضل، وجاء جعفر فدخل على الرشيد فتغدَّى عنده، ثم تفاوضا الحديث، فقال له: ما فعل يحيى بنُ عبدِ الله؟ قال: في الحبس والقيدِ الثَّقيل، قال: بحياتي؟ فأَحجم جعفر وهجس في نفسه أنّه قد علم بشيء، فقال: لا وحياتِك، ولكنِّي أَطلقته وعلمتُ أنَّه لا مكروهَ عنده، فقال: نِعمَ ما فعلت، ما عَدَوتَ ما كان في نفسي، فلمَّا خرج أَتبعه بصرَه وقال: قتلني اللهُ إنْ لم أقتلْك.

وقال إدريس بن بدر: فعرض للرَّشيد بعد هذه الواقعةِ رجلٌ وقال: عندي نصيحةٌ لأمير المؤمنين، فأَرسل إليه يقول: ما نصيحتُك؟ فقال: هي سرٌّ من أسرارِ الخلافةِ لا أَذكرها إلَّا له، فقال: عليَّ به، فأُدخل عليه، وقال: أَخلِني، فأُخلي المجلس، فقال: رأيتُ يحيى بنَ عبد الله بنِ حسنٍ بحلوانَ في خان، عليه دُرَّاعة صوفٍ وهو قائم يصلي، ومعه جماعة يُظهرون أنَّهم ليسوا معه، فقال: أَوَ تعرفه؟ قال: نعم، قال: صِفْه لي، قال: مربوع، أسمرُ رقيق السُّمرَة، كبيرُ البطن، قال: صدقت. فأعطاه ألفَ دينارٍ وقال: اكتُم هذا.

والثالث: قال الهيثم: كان سببُ قتلِ جعفرٍ أنَّ الرشيدَ أخذ بيده يومًا، ثم اخترق به حُجَرَ نسائه حتَّى انتهى إلى باب مجلس، فأَخرج مفتاحًا من تِكَّته وفتح الباب، وإذا في صدره بابٌ صغير، فنقره، قال جعفر: فسمعتُ غناءً على عود ما سمعتُ أَطيبَ منه، ثم قمنا وأغلق الباب، وقال لي: يا جعفر، أسمعتَ غناءً كذا، قلت: لا والله، قال: هذه


(١) في (خ): الزيدي، والتصويب من تاريخ الطبري ٨/ ٢٨٩، والمنتظم ٩/ ١٢٧.