للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُلَيَّة أختي بنت المهدي، واللهِ لئن نطقتَ بهذا لأَقتلنَّك، وجاء جعفرٌ فحدَّث أباه، فقال: واللهِ ليقتلنَّك، وكان هارونُ قد حجر على عُلَية، وأظهر أنَّها قد هلكت؛ لأجلَ معاشرتها للخدَّام، فتحدَّث بذلك جعفر، فقتله.

والرابع: قال الحسنُ بن عليِّ بنِ عيسى: [الشَّرَه] (١) قَتَلَ جعفرًا، فقيل له: الناسُ يقولون: إنَّ ذَنبه أمرُ بعضِ أخوات الرشيد! فقال: هذا من رواية الجهَّال، مَن كان يَجسُر على الرشيدِ بهذا! إنَّما كان جعفرٌ قد حاز ضِياع الدُّنيا لنفسه، وكان الرشيدُ إذا سافر لا يمرُّ بضيعةٍ أو بستانٍ إلَّا قيل: هذا لجعفر، فبقي ذلك في نفسه، ثم جنى على نفسه بأن وجَّه برأس بعض الطالبيين في يوم نوروزَ من غير أن يأمرَه الرشيدُ بقتله، فاستحلَّ بذلك دمَه.

الخامس: أنَّ أحدًا لم يعلم ذنبَ جعفر. قالت عُلَية بنت المهدي للرشيد: ما رأيت لك يومَ سرورٍ منذ قتلتَ جعفرًا، فلأيِّ شيءٍ قتلته؟ فقال: لو علمتُ أنَّ قميصي يعلم السببَ الذي قتلتهُ لأجله لأَحرقته، وكان يحيى بنُ خالدٍ يكره مداخلةَ جعفرٍ للرَّشيد وينهاه عن مُنادَمَته، ويقول: يا أمير المؤمنين، إنِّي واللهِ أَكره ذلك، ولست آمن أن ترجعَ العاقبةُ عليَّ فيه منك، فلو أَعفيتَه، واقتصرتَ به على ما يتولَّاه من جسيم أعمالِك، كان ذلك واقعًا بموافقتي، فقال له الرَّشيد: ليس بكَ هذا، وإنَّما تريد إن تقدِّم عليه الفضلَ ابنَك. وكان يحيى يحبُّ الفضلَ حبًّا شديدًا. فحكى الطبريّ (٢) أنَّ يحيى حجَّ تلك السنة وتعلَّق بأستار الكعبةِ وقال: اللهمَّ إن كان رضاك في أن تْسلبَني أهلي وولدي، فأسلبني إلَّا الفضل. وكان الرشيدُ عاتبًا على الفضلِ لتركه الشُّربَ معه، وكان يقول: لو علمتُ أنَّ الماءَ يَنْقُص من مروءتي لَمَا شربته. وكان جعفر يتوقَّى مخالفةَ الرشيد.

واختلفوا في كيفية قتله؛ فقال الفضلُ بن سليمانَ بنِ على: لمَّا رجع الرشيدُ من


(١) ما بين معكوفين من المنتظم ٩/ ١٣٢.
(٢) في تاريخه ٨/ ٢٩٢.