للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجِّ نزل العمرَ بناحية الأَنبار، فلمَّا كان ليلةُ السبتِ لانسلاخ المحرَّم، أَرسل مَسْرورًا الخادمَ ومعه أبو عصمةَ وجماعةٌ من الجند، فأَحاطوا به، ودخل مسرورٌ وعنده ابنُ بختيشوع المتطبِّب، وأبو زكَّار الأعمى يغنِّيه، قال: [من الوافر]

فلا تَبْعَد فكلُّ فتًى سيأتي … عليه الموتُ يَطْرُق أو يُغادي (١)

وقال مسرورٌ: فقلت: يا أبا الفضل، قد طرقك [و] الله الذي جئتُ له، أَجِب أميرَ المؤمنين. قال: فوقع على رِجلَيَّ يقبِّلهما ويقول: حتى أدخلَ أُوصي، فقلمت: أمَّا الدخولُ فلا سبيلَ إليه، ولكن أَوصِ بما شئت. فأوصَى وأعتق مماليكَه، وأتتني رسلُ أميرِ المؤمنين تستحثُّني، فمضيت به إليه، وأَعلمته وهو في فراشه، فقال: ائتني برأسه.

فخرجتُ فأَخبرت جعفرًا، فقال: يا أبا هاشم، الله الله في أمري، ما أَمرك إلَّا وهو سكران، فدافِع بي حتى يطلعَ الصَّباح، وآمِرهُ فيّ، فعلتُ إلى الرَّشيد لأُؤامرَه، فقال: يا ماصّ، ائتني برأسه. فخرجتُ إلى جعفرٍ فأخبرته، فقال: عاوده بالله. فعاودتُه، فحذفني بعمودٍ ثم قال: نُفيتُ من المهديِّ لَئن لم تأتِني برأسه، لأُرسلنَّ إليك مَن يأتيني برأسك. فخرجتُ إليه فأتيتُه برأسه.

وقال أبو زكَّار: كنتُ [عند] (٢) جعفرٍ وهو يتغنَّى بهذا الشِّعر: [من الوافر]

فلا تَبْعد فكلُّ فتًى سيأتي … عليه الموتُ يَطْرُقُ أو يُغادي

وكلُّ ذَخيرةٍ لا بدَّ يومًا … وإنْ بَقِيت تصير إلى نَفادِ

فلو فُوديتَ من حَدَث الليالي … فديتُك بالطَّرائف والتِّلاد

فقلت له: يا سيِّدي، ممن أخذتَ هذا الشِّعر؟ فقال: من أحسنِ الناسِ شعرًا، مِن حَكَمِ الوادي (٣). فما قام من موضعه حتى جاءَ مَسْرورٌ غلام الرشيدِ فأخذ برأسه.

وقال أبو معشر: لمَّا نزل الرشيدُ بالعُمْر، نزل جعفرٌ عند المأمون، وخرج الرشيدُ في اليوم الذي قتل جعفرًا في ليلته إلى الصيد وجعفرٌ معه، فجاءَ به وغلَّفه بالغالية بيده وعانقه وقال: قد عزمتُ الليلةَ على الجلوس مع النِّساء، فاخلُ أنت الليلةَ مع نسائك


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٢٩٥، المنتظم ٩/ ١٣٣، الكامل ٦/ ١٧٧ - ١٧٨، البداية والنهاية ١٣/ ٦٤٢.
(٢) ما بين معكوفين من تاريخ الطبري والمصادر.
(٣) هو الحكم بن ميمون مولى الوليد بن عبد الملك. انظر ترجمته في الأغاني ٦/ ٢٨٠.