للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذَّ واطرب؛ لتكونَ مثلَ حالي. ومضى هارونُ إلى الصَّيد، وعاد إلى المنزل وجعل يبعث بالهدايا والألطافِ إلى جعفرٍ عامَّةَ الليل، ثم بعت إليه مسوورًا في آخر الليلِ فقتله.

وقال أبو حسَّان الزِّيادي: إنَّما قتل جعفرًا ياسر الخادم، جلس هارون على كرسيٍّ وقال لياسر: اِذهب فأتِني بجعفر، فجاء وعنده أبو زكَّارٍ الأعمى وهو يغنِّيه: [من مجزوء الرمل]

ما يُريد الناس منَّا … ما ينامُ الناسُ عنَّا

إنَّما همُّهم أن … يُظهروا ما قد دفنَّا (١)

فهابه ياسر، فرجع إلى هارونَ، فقال: ويحك أَندُبك لأمرٍ ما ندبتُ إليه أعزَّ مَن عندي وتتوقَّف! واللهِ لَئن لم تأتِني برأسه لأقتلنَّك.

فرجع إلى جعفر وجاء به إلى باب الدِّهليز، وقال لياسر: هو سكران، فشاوره في حضوري بين يديه. فدخل فشاوره، فقال: إنْ حضر عندي لم أقتلْه، اُخرج فأتِني برأسه، وسمعه جعفر، فأَخرج منديلًا من كمِّه فعصب به عينَيه ومدَّ عنقَه، فضربه ياسر فأبان رأسَه، ودخل به إليه، فقال هارونُ لبعض غلمانه: اِضرب عنقَ ياسر؛ فإنِّي لا أَقدر أن أنظر إلى مَن قتل جعفرًا، فضرب عنقَه.

وكان قتلُه ليلة السبتِ أولَ ليلةٍ من صفر سنةَ سبعٍ وثمانين ومئة، هو ابنُ سبع وثلاثين سنة، وكانت وزارتُه سبعَ عشرة سنة.

وقال الأصمعيّ: كنت تلك الليلةَ في المعسكر، فاستدعاني هارونُ في تلك الساعةِ، فدحلت عليه وهو مُطرِقٌ واجمٌ قد ذهب نشاطُه، فرفع رأسَه إليَّ وقال: [من الكامل]

لو أنَّ جعفرَ خاف أَسبابَ الردى … لنجا بمهجته طِمِرٌّ (٢) ملْجَم


(١) مروج الذهب ٦/ ٣٩٥، ووفيات الأعيان ١/ ٣٣٨، ومرآة الجنان ١/ ٤٢١.
(٢) في (خ): فنجا، والمثبت من مروج الذهب ٦/ ٣٩٩، ووفيات الأعيان ١/ ٣٣٩، ومختصر تاريخ دمشق ٦/ ١٠٧، والطمر: الفرس الجواد. القاموس (طمر).