للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولَكان مِن حَذَرِ المَنون بحيث لا … يرجو اللَّحاقَ به الغرابُ الأَعْصَم (١)

لكنَّه لمَّا تقارب يومُه … لم يَدفع الحَدَثان عنه مُنَجِّم

ثم أمر بكشف الطَّشت، فإذا فيه رأسُ جعفرِ بن يحيى، فقال: انظره، ثم قال: قُم فاخرج.

وقال ثُمامَةُ بن أَشْرَس: بتُّ ليلةً عند جعفرِ بن يحيى، فبكى في منامهِ ثم استيقظ، فسألتُه عن بكائه، فقال: أتاني الساعةَ آتٍ في منامي، فأخذ بعَضَادتَي البابِ وقال: [من الطويل]

كأن لم يكن بين الحَجون إلى الصَّفا … أَنيسٌ ولم يَسمُر بمكَّةَ سامرُ

فقال مجيبًا له:

بلى نحن كنَّا أهلَها (٢) فأَبادنا … صُروفُ الليالي والجُدودُ العَواثرُ (٣)

فما مضت الأيامُ حتى قُتل .

ولمَّا قُتل جعفر، أمر هارونُ في تلك الليلةِ أن يُحتاطَ على يحيى بنِ خالدٍ وولدِه ومواليه ومَن يلوذ به، ويحبَسَ هو وولدُه الفضل، وأخذ ما وجد لهم من مالٍ وضِياع ومتاعٍ ودوابَّ وغيرِ ذلك، ووجَّه من ليلته إلى الرقَّة فقبض ما كان لهم.

وقال سهلُ بن هارون: كنت قاعدًا أكتب بين يدي يحيى بنِ خالد، وإذا برجلٍ قد دخل فقال: قَتل هارونُ جعفرًا، فما زاد يحيى على أنْ رمى القلَم من يده وقال: هكذا تقوم الساعةُ بَغْتَةً.

وضمَّ هارون من وقته يحيى بنَ خالدٍ والفضلَ ومحمَّدًا وخالدًا بني يحيى، وعبدَ الملك ويحيى وخالدًا بني جعفر، والعاص ومزيدًا وخالدًا بني الفضل، وجعفرًا وزيدًا ابنَي محمَّد بن يحيى، وإبراهيمَ ومالكًا وجعفرًا وعُمر بني خالدِ بن يحيى، وبعث بهم إلى الرَّقة.


(١) في الوفيات ومختصر تاريخ دمشق: القشعم. والأعصم: الأحمر الرجلين والمنقار، أو الذي في جناحه ريشة بيضاء. والقشعم: الضخم. القاموس المحيط (عصم)، (قشعم).
(٢) في (خ): أهلنا، والمثبت من مختصر تاريخ دمشق ٦/ ١٠٥، والبداية والنهاية ١٣/ ٦٥٧.
(٣) في (خ): الغوابر.