للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سهل: واستدعاني هارونُ في الوقت، فدخلت عليه والسيفُ مَشْهُورٌ في يده، فقال: إيه يا سهلُ، مَن كفر نعمتي وجانب موافقتي أَعجلتُه عقوبتي. قال: فلم أُحِر جوابًا، فقال: ليُفرِخ رَوْعُك، ويَسْكُن جأشُك، وتَطِب نفسُك، وتسكن حواسُّك؛ فإنَّ الحاجةَ إليك ماسَّة. فاقتصرَ على الإِشارة دون العبارة، ثم أَشار إلى مَصْرَع جعفرٍ وقال: [من مجزوء الكامل]

مَن لم يُؤدِّبْه الجميـ … ـــــــــل ففي عُقوبته صَلاحُهْ (١)

وبعث هارونُ بجيفة [جعفر] إلى بغداد مع هرْثَمةَ بنِ أَعيَن، وقُطِّعت جثَّته، فنُصب رأسُه على الجسر الأَوسط، وقطعةٌ منه على الجسر الأعلى، وقطعةٌ منه على الجسر الأَسفل، وكتب هارونُ إلى السِّنْديِّ فتولى ذلك، وأمر بالنِّداء: لا أمانَ لمن آوى البرامكة، إلَّا لمحمَّد بن خالدٍ وولدِه وحَشَمه؛ لأن محمَّدًا لم يدخل فيما دخل فيه غيرُه من البرامكة، وحمل يحيى بنَ خالدٍ وولدَه الفضلَ وبعضَ أهلِه فحبسهم في الدَّير القائمِ بالرَّقة، وجعل عليهم حَفَظَة، وولي أمرَهم هرْثَمَةُ ومسرور.

وقتل هارونُ لمَّا قدم الرقَّة أنس بنَ أبي شيخ، وكان أحدَ أصحابِ البرامكة، وكان يُرمى بالزَّندقة، ولما قُتل قال هارون: [من البسيط]

تَلَمَّظ السيفُ من شَوقٍ إلى أنسٍ … فالسيفُ يَلْحَظُ والأقدارُ تَنْتَظِرُ (٢)

ولم يزل جعفرٌ مَصلوبًا حتى عزم هارونُ على الخروجِ إلى خُراسان، فأمر السِّنديَّ بنَ شاهك أن يحرقَ جثته، فجمع حطبًا وشوكًا وأَحرقه.

وذكر الصُّولي فقال: اِفْتَصَد جعفرٌ في يوم الثُلاثاء، فخلع على نُدمائه وخواصِّه خِلَعًا بلغت سبعةَ عشرَ ألفَ دينار، فوجد ذلك في دفاتر الحسابِ، وتحته مكتوب: سبعةُ دراهمَ اشترى بها نفطًا لإِحراق جثَّته، فقال الناسُ: إنَّ في ذلك لَعِبرة.

وقال سهلُ بن هارون: دخل الرشيدُ بغدادَ بعد قتل جعفرٍ وصلبِه، وأنا عن يمينه


(١) العقد الفريد ٥/ ٥٩ - ٦٠.
(٢) تاريخ الطبري ٨/ ٢٩٧، والبيت لصريع الغواني مسلم بن الوليد، وهو في ذيل ديوانه ص ٣١٤.