للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَلِكٌ تجرَّد للجهاد بنفسه … فعدوُّه أبدًا به مَقهور

نصحُ الإِمامِ على الأَنام (١) فريضةٌ … ولأهلها كفَّارةٌ وطهورِ

فلمَّا فرغ من إِنشادها، قال: أَوَ قد فعلها؟! فكرَّ راجعًا من فوره، فأناخَ على هِرَقْلَة، فأَرسل إليه نقفورُ وصالحه على ما أَراد هارون. وقال أبو العتاهية: [من الوافر]

أَلَا نادَتْ هِرَقْلَةُ بالخَراب … من المَلِك المُوَفَّق للصَّواب

غدا هارونُ يَرعُدُ بالمنايا (٢) … وَيبرُقُ بالمُذكَّرة (٣) القِضاب (٤)

وراياتٍ يَحُلُّ النصرُ فيها … تمرُّ كأنَّها قِطَعُ السحاب

أميرَ المؤمنين ظَفِرتَ فاسْلَم … وأَبشِر بالغَنيمَةِ والإِياب

فصل: وفيها قُتل إبراهيمُ بن عثمانَ بن نَهيك. كان بعد قتل هارونَ لجعفرِ بن يحيى يبكي عليه ويحزن لِمَا جرى على البرامكة، فكان إذا أخذ منه الشرابُ يقول لغلامه: هات سيفي ذا المنيَّة، فيسلُّه ويقوم قائمًا، ويصيح: واجعفراه، واسيِّداه، واللهِ لآخذنَّ ثأرَك ولأقتلنَّ قاتلَك.

وكان له ابنٌ اسمُه عثمان، فجاء الفضلَ بن الربيعِ فأَخبره، فأخبر الفضلُ الرَّشيد، فقال الرَّشيد: أَدخله، فدخل، فقال له: ماذا يقول [الفضل بن] الرَّبيع؟ قال: صدق، قال: فهل سمع منه هذا أحدٌ غيرك؟ قال: نعم، خادمُه نوال. فدعا نوالًا فسأله، قال: نعم قد قاله غيرَ مرة، فقال هارون: ما يحل في أن أقتلَ وليًّا من أوليائي بقولهما، ولعلَّهما تواصيا على هذا؛ بمنافسة الابنِ على المرتبة ومعاداةِ الخادمِ لطول الصُّحبة.

فترك ذلك أيَّامًا، ثم قال للفضل بنِ الربيع أريد أنْ أمتحنَ إبراهيمَ لأزيل الشكَّ عن خاطري، والوهمَ عن قلبي، فاستدعاه على الشَّراب، وقال للفضل: اِذهب وخلِّني وإياه، فلمَّا أخذ منه الشرابُ قال له: يا إِبراهيم، كيف أنتا وموضعُ السِّرِّ منك، فقال: إنَّما أنا عبدُك، فقال: إنَّ في نفسي أمرًا أريد أن أُودِعَك إيَّاه، وقد ضاق صدري به


(١) في (خ): الإمام، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٩.
(٢) في (خ): للمنايا، والمثبت من تكملة الديوان ص ٤٩٢، وتاريخ الطبري ٨/ ٣١٠.
(٣) في (خ): للمذكرة. والمذكر من السيف: ذو الماء. القاموس المحيط (ذكر).
(٤) جمع قضيب، وهو اللطيف من السيوف، والسيف القطَّاع. القاموس المحيط (قضب).