للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك، والسَّلام.

فلما قرأ هارونُ الكتاب، استشاط غضبًا بحيث تفرق عنه جلساؤه، فلم يقدر أحدٌ أن يدنوَ منه، وكتب به على رأس الكناب (١): "الله الرَّحمن الرحيم: من هارونَ أميرِ المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأتُ كتابك يا ابنَ الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تقرؤه، والسلام.

ثم سار من يومه حتى أَناخ بباب هِرَقْلَة، ففتح الحصونَ، وغنم وسَبَى وقتل، فأَرسل إليه نقفورُ يطلب الموادَعَةَ على خراجٍ يؤدِّيه في كلِّ سنة، فصالحه ورجع إلى الرقَّة، فنقض نقفور العهدَ ونزل البَلْخ، فيئس من من جعة هارونَ إليه، ولم يتجاسر أحدٌ أن يخبر هارونَ بما فعل نقفور، فاحتيل له بشاعرٍ من أهل جُدَّة (٢)، واسمُه عبدُ الله بن يوسف، فأَنشده: [من الكامل]

نَقَضَ الذي أَعطاكَه نقفورُ … وعليه دائرةُ البَوارِ تدورُ

أَبشِر أميرَ المؤمنين فإنَّه … غنْم أَتاك به الإلهُ كبير

فلقد تَباشَرَتِ الرَّعيةُ أن أتى … بالنَّقض عنهُ وافِدٌ وبَشير

أَعطاك جِزيتَه وطأطأَ خدَّه … حَذَرَ الصَّوارمِ والرَّدى مَحذور

فأَجرتَه من وَقْعِها وكأنَّها … بأكفِّنا شعَلُ الضِّرام تَطير

فصَرَفْتَ بالطَّول العساكرَ قافلًا … عنه وجارُك آمن مسرور

نقفورُ إنَّك حين تَغدِر إن نأى … عنك الإِمامُ لَجاهل مغرور

أظننتَ حين غَدرتَ أنّك مُفلَتٌ … هبِلَتْك أمُّك ما ظننتَ غُرور

ألقاك حَينُك في زَواخِرِ بحرِه … فطَمَت عليك من الإِمام بُحور

إنَّ الإمام على اقْتِسارك قادرٌ … قَرُبَت ديارُك أم نأتْ بك دُور

ليس الإِمامُ وإنْ غفَلْنا غافلًا … عمَّا يَسوسُ بحَزْمِه ويُدير


(١) في المصادر: وتفرق جلساؤه … واستعجم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يتركه يستبدّ برأيه دونه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب.
(٢) كذا في (خ) والمنتظم ٩/ ١٣٩، وفي مطبوع تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٨: خُرّة، وفي نسخة منه أشار إليها المحقق: جنده، وكذا هي في تاريخ ابن الأثير ٦/ ١٨٥: جنده.