مثله، وقصد القُلْزُم، وبلغ أُسَا فقال: اللهم اكفنا شرَّه وافعل به كما فعلتَ بفرعون، فأوحى الله إليه- أو رأى في منامه- الوعد بالنصر، فعرَّفَ بني إسرائيل، ولما قرب ملك الهِنْد وبلغ بني إسرائيل عظم جيوشه خافوا وقالوا: لا طاقةَ لنا بالقوم، ونحن خارجون إليه لعلهم يرحموننا، فقال أُسَا: تبًّا لكم، ما هذا برأي، أنُلقي بأيدينا إلى الكفا؟! ولكن أنا أرغب إلى صديقي، ورمى بثياب الملك ولبس المسوحَ وافترش الرماد، ثم دعا آباءه ونصرهم، ونام في مصلاه، فأتاه آت في منامه فقال له: يا أُسَا، الصديق لا يتخلى عن صديقه، أتذكُرني في الرخاء وأسلمك في الشدائد، قد كفيتك أمر عدوِّك، وأنا الذي لا يهون مَن أكرمته، ولا يضعف مَن قوَّيته، فانتبه فرحًا وأخبرهم بما رأى، فصدَّقه المؤمنون وكذَّبه المنافقون. ثم جمع العلماءَ والعبَّاد والرهبان، وخرج ببني إسرائيل، وقد نشر العلماءُ أناجيلهم، وقصد القُلْزُم لئلا يطمع الهنديُّ، فلما وصل إلى البحر وقف على رأسه ينظر إلى المراكب، فلمَّا نظر الهندي إليهم استحقرهم وقال للجواسيس: غررتموني وأقدمتموني من بلادي إلى هذه الشِّرْذمة، وأيُّ قدرٍ لهم؟ ثم صعدوا من المراكب ورشقوا بني إسرائيل رشقةً واحدة، فبعث الله الملائكة فردَّت عليهم النشاب، ووقع في كلِّ من رمى بنشابة نشابتُهُ التي رمى بها، وظهر من أفواه الملائكة شررُ النار، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، فغرقوا، وانهزم الهندي في مركب يقول: لا طاقة لنا اليوم بصديق أُسَا، ثم ضرب مَلَكٌ مركبه فأغرقه، وغنم بنو إسرائيل عساكره وأمواله وذخائره، وأخذوا ما لم يغنمه غيرهم وانطلقوا، وعظم أُسَا في أعين الملوك.
وذكر هارون بن المأمون: أنَّ صاحب الحَضْر كان يقال له: لنقر (١)، وكان يسكن الثرثار، بريَّةَ سنجار، وكان الحَضْر أعظمَ الحصون، وبلغه خبر بيت المقدس، وكان يعبد الزهرة، فجمع العساكر وخرج ومعه بُخْت نَصَّر، وكان كَاتِبَه، ونذر لنقر إن أظفره الله ببيت المقدس أن يذبح ابنه للزهرة، فنزل على بيت المقدس، فبعث الله عليه وعلى جيشه ريحًا فأهلكتهم، وأفلت كاتبه بُخْت نَصَّر إلى الحضر، وبلغ ابنه أنه نذر ذبحه، وكان كذلك. فغضب بُخْت نَصَّر وقام إلى ابنه فذبحه، ومَلَك بُخْت نَصَّر بعده. قال هارون: وكان ذلك أول أمر بُخْت نَصَّر. قلت: وليس كما ذكر فإن بُخْت نَصَّر ظهر بعد
(١) في المعارف ٤٦: لُيَّقَر، وفي نسختين ذكرهما المحقق: لنقز، والمثبت من (ط)، وليس في (ب).