للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالًا، فبعث إليه بشيءٍ كثير، فكان صلاحُ الدِّين يقول: ما رأيتُ أكرمَ من العاضد، جهَّز إليَّ في حصار الفرنج ألف ألف دينار سوى الثِّياب وغيرها.

وأشغل نور الدِّين بلاد الفرنج بالغارات، ووقع فيهم الوباء والفناء، فرحلوا في ربيع الآخر (١) بعد أن مات منهم خَلْقٌ كثير.

وفي رجب وصل نجمُ الدِّين أيوب إلى مِصْر، وكان صلاح الدين قد طلبه من نور الدين، فخرج صلاحُ الدين وجميعُ الأُمراء إلى لقائه، وترجَّل صلاحُ الدين والجميع، ومشوا في رِكابه، وقال له صلاح الدين: هذا الأمر لك، ونحن بين يديك. فقال له: يا بُني ما اختارك الله لهذا الأمر إلا وأنت أَهْل له. وحكَّمه في الخزائن، فكان يُطْلق ولا يردُّ أحدًا.

وكَثُرَ فساد الغُزِّ، فكتب العاضد إلى نور الدين يسأله أن يكون صلاحُ الدين وأصحابه وخواصُّه مقيمين عنده، والباقون يرجعون إلى الشَّام، فلم يُجِبْه، وقال: هؤلاء فرسان الإسلام، وليس للفرنج إلا سهامهم. وكَتَبَ إلى صلاح الدين يكفُّهم عن الفساد.

وفي شعبان سار نور الدِّين إلى الكَرَك، فنازله، وضربه بالمجانيق، واجتمع ملوك السَّاحل، وجاؤوه فتأخر إلى البَلْقاء.

وفي شوال كانت بالشام زلازلُ هائلةٌ بحيث وقع مُعْظم دمشق وشرّافات الجامع، وتشقق رؤوس المنائر، وكانت تهتز مثل النخل في يوم ريحٍ عاصف، وكانت بحلب أعظم بحيث وقع نصف القلعة والبلد، فَهَلك من أهلها ثمانون ألفًا تحت الهَدْم، وتهدَّمت أسوارُ جميعِ القلاع، وخرج أهلُها إلى البراري.

ووقعت قلعة حِصْن الأكراد، بحيث لم يبق للسُّور أثر، وكذا حماة وحمص، ولولا أن نور الدين كان بالبَلْقاء والفرنج في قتاله لسار وأخذ حِصْن الأكراد.

وجاءه ما شغل قلبه من ناحية الشَّرْقِ ودمشق: أمَّا من [ناحية] (٢) الشرق فوفاة أخيه قُطْب الدين مودود بالمَوْصِل، وأمَّا [من] (٢) دمشق فوفاة العمادي، وكان نائبه في حلب وغيرها، وكانت له بَعْلبَكَّ وتدمر، وكان عزيزًا عنده، وصاحبه وحاجبه.


(١) عن العماد: فرحلوا في الحادي والعشرين من ربيع الأول، انظر "الروضتين": ٢/ ١٤٢.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).