للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن رؤساء الكفار: أمية بن أبي الصلت (١) ربيعة بن وهب بن عِلاج الثقفي، وقيل: أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن ثقيف، وأُمُّ أمية رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف، وكنيته: أبو عثمان، وقيل: أبو الحكم، وكان شاعرًا فصيحًا، وكان قد تنبأ في الجاهلية في أول زمانه، وكان على الإيمان، ثم زاغ عنه.

وقال علماء السير: كان أمية قد قرأ الكتب القديمة، وكان يتَّجر إلى الشام، ويجتمع بأهل الكتابين، فأخبروه بخروج نبيٍّ من العرب في آخر الزمان يرغب عن عبادة الأوثان، وكان يُؤَمِّلُ أن يكون هو، فلما بلغه خروجُ رسول الله حسده، واغتاظ منه، وتأسف أن يكون ذلك في غَيره (٢).

وحكى ابن إسحاق، عن أبي سفيان بن حرب قال: خرجت أنا وأمية تاجرَين إلى الشام في جماعة من قريش، فكان كلما نزلنا منزلًا أخرج سِفْرًا فيقرؤه علينا، فنزلنا يومًا بقرية فيها نصارى فأكرموه وأهدوا له، وذهبوا به إلى كنيستهم، ثم عاد وسط النهار فنزع ثوبه، ولبس ثوبين أسودين، ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى تسأله عما بدا لك؟ فقلت: لا إرب لي فيه، أخاف أن يحدثني بشيء فيفسد علي قلبي.

قال: فمضى، ثم جاء بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه، ثم تقلب على الفراش إلى الصباح، فوالله ما نام حتى أصبح حزينًا كئيبًا لا يكلمنا ولا نكلمه، فسرنا ليلتين وهو على حاله من الهم والغم، فقلت له: ما رأيت بمثل الذي رجعت به عن صاحبك، قال: لِمُنقَلَبي. فقلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله لأموتنَّ، ثم قال: لأبعثن ثم لأحاسبن [قال: قلت: هل أنت قابل أمانتي، قال: على ماذا، قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب. قال: فضحك، ثم قال: بلى والله يا أبا سفيان لنبعثن ثم لنحاسبن] وليدخلن قوم إلى الجنة، وقوم إلى النار. فقلت: ففي أيِّها أنت؟ فقال: لا أدري. قلت:


(١) انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ٤٥٩، و"الأغاني" ٤/ ١٢٠، و"المنتظم " ٣/ ١٤٢، و"البداية والنهاية" ٢/ ٢٢٠، و "الإصابة" ١/ ١٢٩. وقال ابن حجر: والمعروف أنه مات في التاسعة، وصح أنه عاش حتى رثى أهل بدر.
(٢) انظر "المعارف " ص ٦٠، و"المنتظم" ٣/ ١٤٢.