أبو جعفر: من أنت؟ فكشف لثامه، فسرَّ به، وكان الربيع قد جاء ليأخذ بلجام فرس أبي جعفر فقال له معن: تنح فليس هذا يومك.
ولما قتل القوم فتحت أبوابُ المدينة، وعاد أبو جعفر إلى قصره، وحضر العشاء، فأمسك أبو جعفر يده وقال: أين معن؟ فحضر، فأجلسه قريبًا منه مكان قُثَم.
وقال لعيسى بن علي: يا أبا جعفر، أسمعت بأسد الرجال؟ هذا أسد الرجال، وقد كنت أسمع أن الرجل يقاتل ألفًا، فلم أصدق حتى رأيت معن بن زائدة، فقال له معن: والله ما قوَّى متني إلا ما رأيتُ من شجاعة أمير المؤمنين وعلوِّ همته، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وولَّاه اليمن.
وجاءهم عثمان بن نهيك الذي ادعوا أنَّ فيه روح آدم فناداهم: يا قوم اتَّقوا الله، ارجعوا عن هذه، فرماه واحدٌ بسهمٍ فقتله، فشيعه أبو جعفر إلى قبره ماشيًا، وصلى عليه، ووقفَ على قبره حتى دفن.
وقيل: إنَّ واقعة الراوندية كانت في سنة ست أو سبعٍ وأربعين (١).
وفيها عَصى عبد الجبار بن عبد الرحمن عامل خراسان.
وسببه أنَّ أبا جعفر عزم على عزله، وكان قد فتكَ في أهل خراسان، وقتلَ رؤساءهم، وأبادَ شجعانهم، فكتبوا إلى أبي جعفر يشكونه ويقولون: قد نَغِلَ الأديمُ، فشاور وزيره أبا أيوب فقال: اكتب إليه أنك تريد غزوَ الروم، واطلب من عنده من الجنود، فإذا خرجوا من عنده فأبعث إليها من شئت، فكتب إليه بذلك، فأجاب: إنَّ التركَ قد جاشت، وإن فرَّقتَ الجيوشَ ذهبت خراسان، فجهَّز إليه أبو جعفر ابنَه محمدًا المهدي، وولَّاه خراسان وقال: إذا وصلتَ إلى الريّ فأقم بها، ولا تتعداها، فأقامَ بالري، وبعث إليه الجيوش.
وفهم رؤساء خراسان انحرافَ أبي جعفر عنه، فلمَّا التقى بجيش المهدي خانَه عسكرُه وأخذوه أسيرًا، فأوثق وقُدم به على جمل عليه جبَّةُ صوف وقد أداروا وجهه إلى
(١) كذا في (ب) و (خ) و (د)، والمنتظم ٨/ ٣٠، وفي تاريخ الطبري ٧/ ٥٠٥: في سنة سبع وثلاثين ومئة أو ست وثلاثين ومئة.