للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وادَّعت فيه ما ادَّعتِ النصارى في المسيح، ونَجَمتْ من هؤلاء الكفَرةِ فرقةٌ سخيفةُ العقول عادلةٌ بجهلها عن سواء السبيل، فغَلَوا فينا غُلوًّا كبيرًا، وقالوا في آبائنا وأجدادنا منكرًا من القول وزورًا، ونسبونا بغُلُوِّهم الأشنع وجهلهم المستفظع إلى ما لا يليقُ بنا ذِكْرُه، وإنَّا لَنبرأُ إلى الله تعالى من هؤلاء الجُهَّال الكفَرة الضُلَّال، ونسأل الله أن يُحسِنَ معونتنا إلى إعزازِ دينهِ، وتوطيد قواعدِه وتمكينهِ، والعملِ بما أمرنا به جدُّنا المصطفى، وأبونا عليٌّ المرتضى، وأسلافُنا البررَةُ أعلامُ الهدى، وقد علمتُم يا معشر أوليائنا ودُعاتِنا ما حكَمنا به من قَطْعِ دابرِ هؤلاءِ الكفَرةِ الفُسَّاقِ، والفَجرةِ المُرَّاقِ، وتفَويقْنا لهم في البلاد كلَّ مُفرَّق، وتمزيقِنا لهم كلَّ مُمزَّق، فظَعنوا في الآفاق هاربين، وشردوا مطرودين خائفين، وكان من جملة مَنْ دعاه الخوفُ منهم إلى الانتزاح رجلٌ من أهل البصرة أهوَجُ أثْوَلُ (١)، ضالٌّ مُضِلٌّ، سارَ مع الحجيج إلى مكة -حرسها الله تعالى- فَرَقًا من وَقْع الحسام، وتستَّر بالحجِّ إلى بيت الله الحرام، فلمَّا حصل بالبيت المُحرَّم المُعظَّم، والمَحَلِّ المُقدَّسِ المُكرَّم، أعلن بالكفر وما كان يُخفيه من المكر، وحملَه لممٌ في عقله على قصد الحجر الأسود، فضربه بدبُّوس [كان في يده] ضرباتٍ متوالياتٍ أطارت منه شظايا وُصِلَت بعد ذلك، ثمَّ إنَّ هذا الكافر عُوجِلَ بالقتل على أسوأ أحوالِه، وأضَلِّ أعمالِه، وأُلحِقَ بأمثالِه من الكفرة الواردين مواردَ الضلالة، ذلك لهم خزيٌ في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

ولَعمري إنَّ هذه لمصيبةٌ في الإسلام فادحةٌ، ونكايةٌ قادحةٌ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لقد ارتقى هذا الملعونُ مرتقًى عظيمًا، ومقامًا جسيمًا، أَذْكَرَ به ما كان أقدَمَ عليه غلامُ ثقيفٍ المعروف بالحجَّاج -لعنه الله- من إحراقِ البيتِ وهدمِه، وإزالةِ بُنيانِه وردمِه، وذكر كلامًا في هذا المعنى.

وقيل: هذا كان في سنة أربع عشرة وأربع مئة، والأول [أصحُّ و]، أظهو، [وهذا قول هلال بن المحسن، وروى أبو الفضل] بن ناصر بإسناده إلى أبي عبد الله [بن] محمد بن [علي] (٢) العلوي قال: وفي سنة ثلات عشرة وأربع مئة كُسِرَ الحجرُ الأسودُ؛ لمَّا


(١) الأثْوَل: المجنون والأحمق. المعجم الوسيط (ثول).
(٢) ما بين حاصرتين هنا في المواضع الآتية من الخبر ليس في (خ)، واستدرك من باقي النسخ، والمنتظم ١٥/ ١٥٤، والخبر فيه.