للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الآخر: يا أمَّنا تُوبي من خروجك لقد أخطأتِ، فأرسل القعقاع بنَ عمرو إلى الباب، وأراد أن يَضرب عُنق الرجلين فضربهما مئةً مئة، وأزال مَن كان بالباب. وهذا قول سيف.

وأما هشام والواقدي والهيثم فإنهم قالوا: لما دخل علي مسجدَ البصرة صلَّى ركعتين، ثم خطب خُطبته المعروفة؛ حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على رسوله، وعَظَّم حق الإسلام، وخَوَّفَ من الفتن، ثم قال:

يا أهل البصرة، ويا جُندَ المرأة، دِينكم نِفاق، وماؤكم زُعاق، وعهدُكم شِقاق، دعاكم الشيطان فأجبتموه، المقيمُ بين أظهركم مُرتَهن بذَنْبه، والشَّاخصُ عنكم مُتَدارَكٌ برحمة الله، كأني والله أنظرُ إلى مسجدكم هذا قد بعث الله عليه العذابَ من فوقه ومن تحته، فهو كجُؤجئ سفينة، أو كنَعامةٍ جاثمة، أو كجُؤجُئ طائرٍ في لُجَّةِ بحر، أرضكم بعيدةٌ من السماء، قريبةُ من الماء، خَفَّتْ عُقولُكم، وسَفِهتْ أحلامُكم، في ألفاظٍ أُخَر (١).

قال الجوهري: الماء الزُّعاق: المالح (٢).

وقال سيف عن محمد وطلحة قالا: بايع الأحنف بن قيس عليًّا من عَشيَّة ذلك اليوم؛ لأنه كان خارجًا مع بني سعد، ثم دخل البصرة، وبايع أهلُ البصرة عليًّا وهم على راياتهم.

قال: ولما فرغ علي من بيعةِ أهل البصرة نظر في بيت مال البصرة، فإذا فيه ست مئة ألف درهم، وقيل: ست مئة ألف ألف، فقسمها فيمن شهد معه الوَقْعة، فأصاب كلُّ واحدٍ خمس مئة درهم خمس مئة درهم، وقال: إن أظفركم الله بالشام فلكم مثلُها إلى أُعطياتكم، وخاض في ذلك السبئيَّة، وطعنوا على عليّ من وراء وراء.

قال سيف: وكان من سيرة علي أنه لا يَقتل مُدبرًا، ولا يُدَفِّفُ على جريح، ولا يَكشف سترًا، ولا يَأخذ مالًا، فقال قوم يومئذٍ: ما الذي أحلَّ لنا دماءهم وحَرَّم علينا أموالهم، وبلغ أمير المؤمنين فقال: القومُ أمثالكم، مَن صَفح عنا فهو منا ونحن منه،


(١) انظر الخطبة في العقد ٤/ ٨١، ومروج الذهب ٤/ ٣٢٩، ومصادر نهج البلاغة ١/ ٣٤٢، ٣٤٨.
(٢) مختار الصحاح: (زعق)، ولم أجده في الصحاح.