التماسَ رضوانِ الله في العاقِبة، ولا تجزعوا من القتل في الله، فإن الموت نازلٌ بكم وإن كنتم كارهين، فبيعوا النفوس لله طائعين؛ لتدخلوا الجنة آمِنين، وتُعانقوا الحور العِين، جَعَلنا الله وإياكم من الشاكرين الذاكرين، الذين يَقضون بالحق وبه يَعدِلون.
وكان يَتردَّد من المَوصل إلى نَصيبين ودارا وبلاد الجزيرة، فاستجاب له خلقٌ كثير، فجمع خواصّ أصحابه وقال لهم: إلى متى نحن مُقيمون على الجَور والنّفاق لأئمّة الضلال؟ ابعثوا إلى إخواننا، وواعِدوهم يومًا ومكانًا بعينه.
وجاءه كتاب شبيب بن يزيد مع المُحَلّل بن وائل اليشكُريّ يَستَحِثُّه على الخروج، فكتب إليه: اقدم علينا لنَنظر في الأمر -وكان شبيب مُقيمًا بأذربيجان- فقدم (١) على صالح، وقال له: إلى متى نحن هكذا؟ فوالله ما تزداد السُّنَّةُ إلا دُروسًا، والمجرمون إلا طُغيانًا. واتفق رأيُهم على الخروج لهِلال صَفَر ليلةَ الأربعاء، في سنة ست وسبعين.
وسأل فَروَة بن لقيط الأزدي صالحًا فقال: يا أمير المؤمنين، ما ترى في قتال هؤلاء الظَّلَمة؟! أنَدعوهم قبل القتال، أو نقاتلهم من غير أن ندعوهم؟! فقال: لا، بل نَدعوهم، فلَعَمري لا يُجيبُنا إلا مَن يرى رأيَنا، ولا يقاتلنا إلا مَن يُزري علينا، فالدُّعاء لهم أَقطَعُ لحجتهم، قال. فقلتُ: فكيف ترى فيمَن قاتلَنا فظفرنا به؟ ماتقول في دمائهم وأموالهم؟ قال: إن قَتَلْنا وغَنِمنا فلنا، وإنْ تجاوَزْنا وعَفونا فموَسَّع علينا ولنا، قال فَروة: فلقد أصاب وأحسن في القول.
وأقاموا بأرض دارا لما خرجوا ثلاثةَ عشر يومًا، وتحصَّن منهم أهلُ داوا ونَصيبين وسِنْجار، وكانوا في مئة وعشرة، وكان محمد بن مروان يومئذ أميرَ الجزيرة، فلم يحفل بأمرهم، وبعث إليهم عَديّ [بن عدي] بن عميرة الحارِثي في خمس مئة، فقال عدي لمحمد: أتبعثني إلى رأس الخوارج من عشرين سنة، ومعه من رجال ربيعة؛ الرجل منهم خير من مئة فارس؟! فزاد خمس مئة أخرى.
فسار إليهم من حرّان في ألف، وكام محمد بن مروان في حرّان، وسار عدي وكأنما يُساق إلى الموت، وكان عَديّ رجلًا ناسكًا، فلما نزل دَوْغان بعث زياد بنَ عبد