للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله من بني خالد دَسيسًا إلى صالح يقول له: إنني للقائك كاره، فإن رأيتَ أن تخرج من هذا البلد إلى بلدٍ آخر فافعل، فقال صالح للرسول: ارجعْ إليه وقل له: إن كنتَ ترى رأيَنا فأرِنا من ذلك ما تعرف، وإن كنتَ على رأي أئمة السُّوء فإن شئنا نابَذْناك، وإن شئنا رَحَلْنا عنك إلى غيرك. فعاد الرسول فأخبر عديًا بما قال، فقال له: ارجع إليه وقل له: والله ما أنا على رأيك، ولكني أكره قتالك وقتال غيرك، فقاتِلْ غيري.

فحبس صالح الرسول عنده، وقال لأصحابه: اركبوا، فركبوا، وجعل شَبيبًا في الميمنة، وسُويد بن سليم النَهدي (١) في الميسرة، ووقف صالح في القلب، فأتوا سوق دَوْغان، فلم يَشعر بهم عَديّ وهو قائمٌ يصلي الضُّحى إلا وقد دَهموه، وطَلعت الخيل، وحملوا على القوم فانهزموا، ونجا عديّ على فرسٍ له، وجاء صالح فنزل عَسكرَهم وحوى ما فيه.

وبلغ محمد بن مروان فغضب، وبعث إليهم خالد بن جَزْء السُّلَمي في ألف وخمس مئة، وأردفه بالحارث بن جَعْوَنَة العامريّ بمثلها، وقال لهما: أغِذّا السير حتى تلحقا بهذه الطّائفة الخبيثة الحقيرة الذليلة القليلة، فخرجا وأغَذّا السَّير.

وأما صالح فإنه لما غَنِم ما كان في العسكر سار بأصحابه حتى نزل على آمِد، وبلغ خالدًا والحارث فسارا إليه، فقسم صالح أصحابَه قسمين؛ بعث إلى خالد شَبيبًا، وسار هو إلى الحارث، وقيل: بعث شبيبًا إلى الحارث، وسار هو إلى خالد، واقتتلوا قتالًا شديدًا لم يُسمع بمثله، وحال بينهم الليل، وقد كثرت الجِراحات في الفريقين، وخندق خالد والحارث، فقال شبيب لصالح: هؤلاء قد اعتصموا بخندقهم، ولا سبيل لنا إلى بَياتهم فارتفعوا بنا، وكان قد قُتل منهم أكثر من سبعين ووَهَنوا، فساروا تحت الليل، ولم يتبعهم أحد، فسلكوا أرض الجزيرة، وقطعوا أرضَ المَوصل، ونزلوا الدَّسْكرة فأقاموا بها، وبلغ الحجاج، فبعث إليهم الحارث بن عميرة بن ذي المشعار الهَمْداني، في ثلاثة آلاف، فساروا إلى الدَّسكرة.

وخرج صالح إلى جَلولاء وخانِقين، واتّبعه الحارث إلى قريةٍ من قُرى المَوصِل يقال لها: المرج (٢)، على تخوم أرض جُوْخى، وصالح يومئذٍ في تسعين رجلًا، فكَرْدَس


(١) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): المهدي، والمثبت من (ص)، وفي الطبري ٦/ ٢٢١: الهندي.
(٢) في الطبري ٦/ ٢٢٢: المدبّج.