للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسْفَهسلارية والقُوَّاد أخذوا ذِمامه على منازلهم، وأُقيم الحرسُ على دار الخلافة، وزاد الخوفُ منه، حتَّى ما بقي أحدٌ يتجاسر أن يقول: العيَّار، بل: القائد أبو علي، وما كان يتعرَّض للنساء، ولا يأخذ من امرأةٍ شيئًا، وزاد أمرُه، وتعاظَم خَطْبُه، وشاع فسادُه، وكان يأوي إلى أَجَمَةٍ من قصبٍ شرقيَّ بغداد، وحولَها ماءٌ كثير، وفي وسطها تَلٌّ قد جعله له معقِلًا وملجًا، فاجتمع جماعةٌ من الإسْفَهسلارية وخرجوا إليه في جُملة العساكر، فخرج إليهم البُرْجُمي وعلى رأسه عَلَمٌ، وقال: من العجب أنكم تأتون إليَّ وأنا كلَّ ليلةٍ عندكم، فإن شئتم أن ترجعوا وأنا أجيء إليكم فعلتُ، وإن شئتم أن تدخلوا إليَّ فادخلوا، فراسلَه كُبراؤهم، وقَوَّوا نفسَه، وردُّوا عنه الغِلمان.

وفي شوال (١) اشتدَّ فسادُه، وكبسَ الدورَ جَهارًا، فاجتمع العوامُّ يومَ الجمعة إلى الرُّصافة، ومنعوا الخطيب [أبا الحسين بن العريف] من الخطبة وقالوا: إن خطبتَ للعيَّار البُرْجُمي وإلَّا فلا تخطُب للخليفة [-من عِظَم ما نالهم من البُرْجُمي-] ورجموه، وبلغَ من أفعال البُرْجُمي أنَّ أحد وجوه الأتراك بسوق يحيى أراد أن يختِنَ ولدَه فلم يقدِرْ حتى أهدى للبُرْجُمي حملانًا وفاكهةً وشرابًا، وقال: هذا نصيبُكَ من طهور ولدي واستذمَّ منه على داره.

[قلت: انظروا يا قوم إلى هذا الوهن العظيم البائن مع وجود الخليفة والملك وعشرين ألفًا من العساكر].

وفي جمادى الأولى تغيَّرت نيَّة الغِلمان على جلال الدولة، وأتَوا إلى بابه، فنهبوا الخيل التي كانت عليه، وشكَوا من إهمالِه أمورَهم، وطالبوه بالانحدار إلى واسط والبصرة، وأن يكون بعضُ أولاده عندهم، وهجمت عليه طائفةٌ من باب البستان، وضربه واحدٌ بآجُرَّة في صدره، وأحاطوا به وأخرجوه إلى دِجلة، وأنزلوه في سُفَارية ثم قالوا: ما هذا مصلحة، فربما عبر إلى الجانب الغربي واحتمى بالكَرْخ، والصواب حَمْلُه إلى مجمع الغلمان لينظروا فيه. ومالتِ السفينةُ، فابتلَّت ثيابهُ، فأخرجوه وشتموه شتمًا قبيحًا، وأقاموه في الشمس، وجاؤوا به، فلمَّا وصل إلى باب داره تكاثر عليهم الناس، فدخل المسجد، وشرع في الصلاة والدعاء، وجاء القائد أبو الوفاء فاستنقذه


(١) في (م) و (م ١): شعبان.