للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دينه ومعجزاته فتآمروا على قتله.

قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْر﴾ [آل عمران: ٥٢] أي: علم وعرف، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ [الأنبياء: ١٢]. فأمَّا قوله: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ [مريم: ٩٨] أي: ترى، وقال مقاتل: رأى أمارات القَتْل، ولمَّا تيقن عيسى منهم القَتْلَ استنفر الحواريِّين فقال: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] أي: مَن أعواني.

وقال علماء السِّير: لمَّا بعث الله عيسى إلى بني إسرائيل كذبوه، فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض، فنزلا على رجل في قرية فأكرمهما، وكان بالقرية جبَّارٌ، فجاء ذلك الرَّجل إلى امرأته حزينًا مهتمًا، فقال لها: لا تسأليني، فقالت مريم: أخبرني لعلَّ الله أنْ يُفرِّج عنك على يدي فقال: إنَّ هذا الجبَّار قد جعل على كل واحد منَّا في السَّنة يومًا يُطعمه وجنوده فيه ويسقيهم الخمر، فإن لم يفعل عاقبه، واليوم يأتينا وليس عندنا شيء، فقالت مريم لعيسى: ادعُ الله لهم، فقال: أخافُ أنْ يَقَع شرٌّ، فقالت: قد أحسن إلينا وأكرمنا فقال: قولوا له يملأ قدوره، وخوابيه ماءً، ففعل، فسأل عيسى ربَّه فملأ القدور لحمًا والخوابي خمرًا لم ير الناس مثله، وجاء الملِكُ فأكل وشرب وقال: من أين لكم هذا الخمر، فقال الرجل: منْ أرض كذا، قال: فإنَّ الخمر يُحمل إلينا منها وليست كذا واختلف كلامه، فقال: اصدقني وإلا قتلتك، فقال: عندي غلام لا يسأل الله شيئًا إلا آتاه إيَّاه، وإنه دعا الله فجعل الماء خمرًا. وكان للمَلِك ابنًا يريد أنْ يستخلفه فمات قبل ذلك بأيَّام، وكان أعزَّ الخلق عليه، فقال: قل له يسألِ الله في ابني ليعيش فكلَّم الرجل عيسى، فقال: إنْ عاش وقع شرٌّ، فقال الملك: لا أُبالي بعد أن أراه، فقال عيسى: إنْ أَحييته تَدَعوني وأمي نذهب أين شئنا، قال: نعم، فسأل الله فأحياه، فلبس أهل المملكة السلاح وقالوا: أَكَلَنا أبوه حتى إذا دنا موته وأراحنا الله منه، يريد أنْ يستخلف علينا مثله فيأْكُلُنا كما أَكَلَنا أبوه، واقتتلوا (١).

وذهب عيسى وأمه فمرُّوا بالحَوَارِيِّين وهم يصيدون السمك، فقال: ما تصنعون،


(١) عرائس المجالس ٣٩١ - ٣٩٢.