وقوله: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ جواب ثامن، لأنه لمَّا كان بينهم ما ادعوا عليه ذلك وقوله: ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: رفعتني، جواب تاسع، ومعناه: ما زلت معترفًا لك بالإلهية إلى حين وفاتي، فكيف أقول لهم هذا.
وقوله: ﴿وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: ١١٧] جواب عاشر، ومعناه: إنَّك تشهد الأشياء وتعلمها، وأنت مُطَّلع على البواطن والظواهر، والشهيد لا يستتر عنه شيء، وقد علمتَ أنِّي ما قلتُ فما قلتُ.
وقال أبو روق: لمَّا قال الله لعيسى ذلك: أرعدت مفاصله، وانفجرت مِن كلِّ شَعرة منه عينٌ من دَم (١).
وقال مجاهد: يبقى أربعين عامًا على وجهه بمنزلة الميت.
فإن قيل: فالنصارى لا تتخذ مريم إلهًا، فكيف قال: ﴿إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فالجواب: أنَّه لمَّا قالوا: لم تلد بشرًا وإنما ولدت إلهًا، لزمهم ذلك من حيث البعضية، فصاروا بمثابة مَنْ قاله.
واختلفوا في معنى قوله: ﴿تَوَفَّيْتَنِي﴾ على أقوال: بالرفع إلى السماء.
والثاني: غيَّبتَني.
والثالث: أَمتَّني عند انتهاء أجلي، فيكون بمعنى قَبَضتَني.
وقال الحسن: الوفاة في كتاب الله على ثلاثة أوجه:
وفاة الموت، وذلك قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] يعني: عند انقضاء آجالها.
وفاة النَّوم، كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام: ٦٠].
ووفاة الرفع، كقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥].
فإن قيل: فظاهر الآية لا يدل على الرفع، لأنَّه قال: ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ قُلنا: فيه تقديم وتأخير، ومعناه: رافعك ومتوَفيك بعد ذلك لما نذكر.
ثم أدركته رِقة عليهم فقال: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ [المائدة: ١١٨] أي: تميتهم
(١) انظر "تفسير البغوي" ص ٤٠٩.