للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنه يقول له يوم القيامة وهو قول الباقين، وأنَّ معناه: وإذ يقول الله.

فإنْ قيل: فما الفائدة في هذا السؤال والله عالم بأنَّه ما قال؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: لأنَّ جماعة من النصارى ادَّعوا أن عيسى أمرهم بعبادته، فأراد تكذيبهم، فلفظ الآية استفهام، ومعناه التوبيخ لمن ادَّعى عليه أنه قال ذلك (١)، قال أبو عبيدة: ومثله قول القائل لآخر: فعلت كذا وكذا وقد علم أنه لم يفعله. واختاره أبو عبيدة (٢).

والثاني: أنَّه أراد اعتراف عيسى بالعبودية؛ ليظهر ذُلَّه وخضوعه، والإله لا يكون خاضعًا، قاله ابن عباس.

والثالث: أنَّه أراد إظهار فصاحة عيسى وأنه مؤيَّد بروح القدس، قاله أهل المعاني، وذلك لأنه أجاب بأحسنِ الأجوبة وأَبْلَغَ، فقوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ جواب، لأنَّ التسبيح هو التقديس لله والتنزيه له من كل سوى، ومعناه: تقدَّستَ وتنزَّهْتَ عنْ أن يقول مثلي هذا، فأنت المعبود وأنا العبد.

وقوله: ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: ١١٦] جواب ثان، كأنه يقول: قد علمت أني لا ينبغي لي ذلك قما قلتُ، وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ [المائدة: ١١٦]، جواب ثالث، لأنه قد علم أنَّه ما قال.

وقوله: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ جواب رابع، لأنه مُطَّلع على سره وضميره وقد علم أنَّه ما قال، وقوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ جواب خامس، لأنه إذا كان عالمًا للغيب لم يخفَ عليه شيء، وقد علم أنه ما قال.

وقوله: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: ١١٧] جواب سادس، لأنه ما أمرهم أن يقولوا ذلك.

وقوله: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ١١٧] جواب سابع، لأنه إذا أمرهم بعبادة الله فقد اعترف بالعبودية، والعبد لا يكون إلهًا.


(١) بعدها في (خ): "عند رفعه إليه".
(٢) في (خ) و (ك): أبو عبيد، وليس في (ب)، والمثبت من زاد المسير ٢/ ٤٦٣، وانظر "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ١٨٤.