للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا أنها كانت شَعْراء الساقين، فصرف وجهه عنها وقال: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ أي مملَّس من زجاج وليس ببحر (١).

فإن قيل: فكيف جاز لسليمان النظر إلى الساقين والوجه، وإنما يباح النظر إلى الوجه لا غير، وكيف جاز أن يحتال بهذه الحيلة، والأنبياءُ معصومون من مثل هذا، وقد يمكنه أن يختبرها بأن يبعث إليها امرأة تنظرها؟

فالجواب: إنَّ النظر إلى ساقها قد كان مباحًا عندهم كالنظر إلى الوجه عندنا، ولا نظنُّ بسليمان أن يفعل ما لا يحلُّ له، وقد كان لسليمان سبع مئة امرأة، ومثل هذا لا يباح لنا.

ثم دعاها سليمان إلى الإسلام فأسلمت وقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤] وأسلم قومها. ثم عزم على تزويجها فأمر الشياطين، فاتخذوا الحمَّام والنُّورَة وطلوا بها ساقيها فصارا كالفضَّة. قال ابن عباس: وسليمان أَوَّل من صُنعَ له الحمَّام والنُّورَة (٢)، وقد رواه أبو موسى مرفوعًا إلى النبي أنه قال: "أَوَّل مَن دَخَل الحَمَّام وصُنِعَت له النُّورة سُلَيمان" (٣) إلا أنه حديث ضعيف، ضعَّفه البخاري وغيره، وقال البيهقي: تفرَّد به إسماعيل الأودي، لا يتابع عليه.

فلما دخل بها سليمان أحبها حبًا شديدًا وأمر الشياطين فبنوا لها باليَمَن حصونًا لم يُبْنَ في الدنيا مثلها، وهي غُمْدَان وسَلْحِين وبَيْنُون، وأبقاها على مُلكها، وكان يزورها في كلِّ شهر مرة، يقيم عندها سبعًا، يبكر من الشَّام إلى اليَمَن ومن اليَمَن إلى الشَّام (٤).

وقال أبو القاسم في "تاريخ دمشق": وأمهرها بعلبك ويقال: إنه نقلها إلى تَدْمر (٥)، وسنذكره.

وقال محمد بن إسحاق عن وهب عن بعض أهل العلم: لم يتزوجها سليمان، وإنما زوَّجها رجلًا مِنْ قومها يقال له: ذو تُبَّع، ملك هَمَدَان، وأمر زوبعةَ أميرَ الجن أن يقيم


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢٢.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢٣.
(٣) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (٤٦٤)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٧٧٧٨).
(٤) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢٣.
(٥) "تاريخ دمشق" ٦٩/ ٧٠.