للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنه مَلكٌ عظيم أيَّد الله به سليمان، قاله عكرمة.

فعلى هذين القولين سقط السؤال.

والثالث: إنما قصد سليمان أنَّ بعض أتباعه يتولى إحضارَ عرشها، لأن سليمان لا يباشره، وقد كان الاسم الأعظم في خاتمه.

والرابع: أراد أن ينوِّهَ باسم آصف ويرفع منزلته، لا أنه عاجز عن ذلك. وقد ذكرنا أن سليمان كان يعرف الاسم الأعظم قبل قوله: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾.

فلما حصل السرير بين يدي سليمان قال: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل: ٤١] أي: اجعلوا أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، لننظر هل تهتدي إلى عرشها فتعرفه أم تكون من الجاهلين الذين لا يعرفون ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ شبَّهته به ولم تقرَّ ولم تنكر، وهذا دليل على قوة ذهنها وغزارة عقلها، لم تقطع بأنه هو إما لتغيره وإما لبُعد المسافة، وقد خلفته تحت سبعة أقفال.

قال الحسين بن الفضل البجلي: شبَّهُوا عليها فشبهت عليهم وأجابتهم على حسب سؤالهم، ولو قالوا لها: هذا عرشك، قالت: نعم. قال سليمان: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا﴾ أي: قبل مجيء هذه المرأة ﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢)[النمل: ٤٢]، وإنما أراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكيره، وأن يريها قدرة الله تعالى وسلطانه، وأنه صاحب معجزات.

﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٣] وهي الشمس، منعتها عن عبادة الله. ثم أمر سليمان بعمل الصرح، وهو كل قصر عال، والجمع صروح، وأصله البناء العالي (١).

قال وهب: قيل لسليمان إنَّ رِجليها رجلا حمار، وعلى ساقها شعر كثير، فاختبر عقلها بعرشها وما أمكنه أن يختبر رجليها، فأمر ببناء الصرح، فبنته الشياطين من الزجاج كأنه الماء بياضًا، وألقوا فيه السمك ودوابَّ البحر، ووضع سليمان سريره في صدره، فلما وصلت إليه ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ واللُّجة: معظم الماء، فنظر سليمان إلى ساقها (٢)، فإذا هي أحسن الناس ساقًا وقدمًا،


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢٢.
(٢) في (ب): إليها.