للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدمت، وهي نازلة قريبًا منك قدر فرسخ، فقال سليمان لمن حوله: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ (١) [النمل: ٣٨].

فإن قيل: ما مراده بإحضار عرشها قبل مجيئه؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أنه أراد أخذه لما وصفه له الهدهد، لأنها متى قدمت عليه مُسْلمة حَرُمَ عليه أخذ مالها، قاله مجاهد.

قلت: وهذا ليس بشيء لوجهين، أحدهما: لأنه كان زاهدًا في الدنيا نبيًا ورسولًا، وما عرشها بالنسبة إلى مُلكه حتى يحتالَ على أَخْذِ مالها قبل إسلامها؟ والثاني: أن الغنائم كانت مُحَرَّمَةً عليهم، وإنما أبيحت لهذه الأمة.

والثاني: أنه أراد أن يختبر عملها، فينظر هل تعرفه أم لا، قاله ابن زيد.

والثالث: أراد أن يريها قدرة الله وسلطانه وأنه صاحب معجزات، فتنقاد إليه من غير عنف، قاله مقاتل. وهذان القولان جيدان.

﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ والعفريت المارد القويُّ، قال وهب: كان اسم العفريت كودي، وقيل: ذكوان. ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ أي: مجلسك هذا ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل: ٣٩] على ما فيه من الجواهر. فقال سليمان: أريد أسرعَ من هذا ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ وهو آصفُ بن برخيا، وكان صدِّيقًا يعرف الاسم الأعظم، وكان يقفُ على رأس سليمان بالسيف ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] ومعناه إذا مددت عينيك إلى أقصى منظرك، فمدَّ سليمان عينيه، ودعا آصف، فكان من دعائه: يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام. فبعث الله ملائكة فَخَدَّت اللأرضَ بالسرير خدًّا حتى صار بين يدي سليمان قبل أن يرجع إليه طرفه (٢).

فإن قيل: فآصفُ من أتباع سليمان يعرف الاسم الأعظم وسليمان لا يعرفه؟

فالجواب من وجوه.

أحدها: أنَّ ابن عباس قال: الذي عنده علم من الكتاب هو جبريل .


(١) انظر "زاد المسير" ٦/ ١٧٣.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢١ - ٣٢٢.