وكانوا يفتحون من أبواب السدِّ ما يريدون، فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه طولَ السنة، فأخصبت أرضهم، وكثرت أموالهم وفواكههم، حتى أن كانت المرأة لتمرُّ بين الجنَّتين والمكتلُ على رأسها فيمتلئ من الثمر، وما مسَّت شيئًا بيدها، ولم يكن في بلادهم حيّة ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا بُرغوث.
قال ابن عباس في تفسير الآية: إنها القدرة والعلامة. ثم فسَّرها فقال: جنَّتان عن يمين واديهم وشماله ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ أي: وقلنا لهم كلوا ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على ما أنعم عليكم، تمَّ الكلام. ثم ابتدأ فقال: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ أي: هذه بلدة طيبة الهواء ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: ١٥] للخطايا.
وقال ابن عباس: كان الرجل الغريب يأتي وفي ثيابه القَمْل، فإذا نظر إلى أرضهم مات القَمْل. وكان الراكب يسير من أول البساتين إلى آخرها فلا تقع عليه شمس. قال: فطَغَوْا وبَغَوْا وكفروا بأنعم الله، وذلك قوله: ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ أي: عن الحق، وكان الله قد بعث إليهم ثلاثة عشر نبيًا فكذبوهم، وقالوا: ما نعرف لربكم علينا نعمة.
وقال مقاتل: معنى الآية: فأرسلنا إليهم الرسل يدعونهم إلى الله فأعرضوا عنهم ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] واختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: أن العَرِم: السدُّ بلغة حِمْيَر، فهو اسم للمسنَّاة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه اسم للسَّيل الذي لا يطاق، وأصله من العَرَامة، وهي التمرُّد والعصيان، قاله مجاهد وابن الأعرابي.
والثالث: أنه اسم للوادي، قاله مقاتل وقتادة والضحاك، ورواه عطية عن ابن عباس.
والرابع: أنه اسم الجرذ الذي نَقَبَ السدَّ. حكاه الزجاج.
والقول الأول أشهر، واختاره الفرَّاء وابن قتيبة وعامة المفسرين، وذكره الجوهري فقال: العَرِمُ: المسنَّاةُ (١).