أحدهما: أن الله بعث عليهم جُرذًا يسمى: الخُلْد، وهو فأرة عمياء، فثقبه من أسفله، فأغرق جنانهم وأخرب أرضهم. رواه عطية العوفي عن ابن عباس.
قال وهب: كانوا يجدون في كهانتهم أنَّ فأرة تخربُ سَدَّهم فلم يتركوا فُرْجةً بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة، فلما آن أوان غرقهم جاءت فأرة حمراء إلى هرة فشاورتها حتى استأخرت عنها الهرة، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها، فثقبت السِّكْرَ وهم لا يعلمون.
وقال السُّدي: كان للدابة التي ثقبت السدَّ مخاليب من حديد.
قال محمد بن إسحاق: كان لقوم سَبَأ كاهن يقال له: عِمْران بن عامر، وقيل: عمرو ابن عامر، فرأى في كهانته أنهم سَيُمَزَّقون كُلَّ مُمَزَّق، فأخبرهم بذلك، قال: مَن كان ذا همٍّ بعيد، وجَمَلٍ شديد، ومَزَاد جديد، فَليلحق بقصر عُمَانَ المشيد، فلحق وادعة بن عمرو، ثم قال: مَن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المُطْعِمات في المَحل فَلْيَلْحَق بيَثرِب ذات النَّخل، فلحقت الأَوْس والخَزْرَج، ثم قال: مَن كان مِنكم يريد خمرًا وخميرًا، وذهبًا وحريرًا، ومُلكًا وتأميرًا فليلحق بمَعَان وبُصْرَى، فلحقت غسَّان وبنو جفنة بالشَّام فملكوه، ثم قال: مَن كان منكم يريد الأموال، ويعتزُّ بالرجال، وتُشَدَّ إليه الرحال فعليه بكوثى، فلحقت الأَزْد بموضع الكُوفَة.
وقال الزُّبير بن بَكَّار: إنَّما لحقت بالشَّام غسان، والأَزْدُ بعُمَان، وخُزَاعة بتِهامة.
وقال ابن الكلبي: إنَّ الملك هو عمرو بن عامر، وكان مَلكَ سَبَأ في ذلك الزَّمان. وكان عمران بن عامر أخاه فأخبره بما ذكرنا. قال: وكان للمَلِك كاهنة يقال لها: طريفة، من أهل حِمْير، فقال لها الملك: ما تقولين فيما قال عمران؟ قالت: صدق، ولقد رأيت غيمًا أبرق، أرعد طويلًا ثم أصعق، فما وقع على شيء إلا احترق، وما بعد هذا إلا الغَرَق. ثم قالت لعمرو: اذهب إلى السدِّ فإنْ رأيت جُرذًا يُكثر بيديه فيه الحَفر، ويقلب برجليه من العَرِم الصخر، فاعلم أن النَّفَر سَفْر، وأنَّه قد وقع الأمر. فأتى إلى السدِّ فإذا بجُرذ يقلب بيديه صخرةً ما يقلبها خمسون رجلًا فعاد إلى طريفةَ وقال: متى ترين هلاكَ السدِّ؟ فقالت: إنما يهلك غِيلة بعد سبعين ليلة فانظر الغيلة. فأمر عمرو