للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصغر أولاده أن يأتيَ إليه وهو في مجلسه والملأ حوله والأَقْيال فيفتئت عليه، وأمره أولاده أن لا يهيجوه وجلس مجلس الملك، واجتمع الناس إليه، وجاء ولده فكلمه بأقبح الكلام، فقال: يا قوم أكون مَلِكَكُم وسيدَكم وُيسمعني هذا السفيهُ ما أسمعني، وأنتم سكوتٌ لا تنتصرون لي؟! ثم حلف أن لا يساكنهم، وباع أمواله وانتزح عنهم، فبعد سبعين ليلة خرب السدُّ.

قلت: هذه رواية ابن الكلبي، وقد ذكر عبد الملك بن هشام في "السيرة" طرفًا منها، وقد تقدّم إسناده إلى عبد الملك في خطبة الكتاب، فقال: لما رأى عمرو بن عامر الجرذَ ينقب السدَّ علم أنه لا بقاء للسدِّ على ذلك، فأمر أصغر أولاده أن يقوم بين الملأ فيلطمه ويفتئت عليه، ففعل، فباع أمواله، فقال الأشراف: اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا أمواله. وانتقل عمرو عنهم وفعل كذلك بنو أسد وقالوا: لا نقيم في بلاد خرج منها عمرو بن عامر، فنزلوا بلاد عَكٍّ، وتفرقوا في البلدان، فنزل آل جَفنة بن عمرو الشام، ونزلت الأوس والخزرج يَثرِب، ونزلت خُزَاعة مَرًّا، والأَزْد السراة، وهما أزدان: أَزْد السراة وأَزْد عُمَان (١).

وقال السُّدي: إنما سميت خُزَاعة لانخزاعها وانقطاعها في ذلك الموضع.

قال الجوهري: وخُزَاعة حي من الأَزْدِ سموا بذلك لأن الأزد لما خرجت من مَكَّة لتتفرق في البلاد تخلَّفت عنهم خُزَاعة (٢).

وفي رواية ابن إسحاق أنَّ عمران بن عامر قال في كهانته: ومن كان منكم ذا حاجةٍ وفقر، فليلحق ببطن مَرّ، فلحقتْ به خُزَاعة وقال: من أراد منكم الخمر والخمير، والذهب والحرير، والأمر والتأمير، فليلحق ببُصرى وحَفِير، يعني أرض الشام، وحَفِير قرية من قرى دمشق في جبل صيْدَنَايا قريبة منها. وقال: من أراد منكم الثياب الرِّقاق، والخيل العِتاق، والكنوز والأوراق فليلحق بالعِراق، فلحق بها الأَزد مع مالك بن فهم الأَزْدِي.


(١) "السيرة" ١/ ١٣.
(٢) "الصحاح": (خزع).