للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال وهب: وسار عمرو بن عامر إلى وادي السَّرَاة بأهله وماله وولده فأقام به وبمَكَّة، والسَّراة جبل الأَزْد.

والقول الثاني في سبب هلاك السدِّ حكاه جدي في "التبصرة" (١) عن مجاهد أنه قال: أرسل الله عليهم ماء أحمر فنسف السدَّ وهدمه وحفر الوادي. وعامة العلماء على القول الأول.

وحكى الضحاك عن ابن عباس: أنَّ عمرو بن عامر سيدهم رأى في منامه كأنه انبثق الردم وسال الوادي، فأصبح حزينًا، فانطلق نحو الردم فرأى جُرذًا يحفره بمخاليب من حديد وأنياب من حديد، فجمع أهله وبنيه وقال: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: نعم، قال: هذا أمرٌ سَمَاويّ قد اضمحلت فيه الحِيَل. ثم قال: هاؤم هرة، فأُتي بها فأرسلها نحو الجُرذ، فلما رأته الهرة ولَّت هاربة، فقال: تحقَّقَ الآن ما قلتُ لكم، احتالوا لأنفسكم. فدعا أصغر بنيه، وذكر بمعنى ما تقدم.

قال ابن عباس: لما نقب الجُرذ السدَّ فاض الماء عليهم فأخرب جناتهم، ودفن بيوتهم في الرمل، ومزَّقهم كل ممزق، كما قال الله تعالى، حتى صاروا مثلًا عند العرب، فضربوا بهم الأمثال.

وقال الجوهري: وقولهم "ذهبوا أيدي سَبَأ"، وأيادي سَبَأ، أي: متفرقين، قال: وهما اسمان جُعلا اسمًا واحدًا، مثل مَعدي كَرِب (٢).

قال الله تعالى: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ وهو الأراك ﴿وَأَثْلٍ﴾ وهو الطرفاء، والأُكُلُ: الثَّمَرُ، وقيل: الخَمْط شجر العضاه. قال مقاتل: معناه: وبدلناهم بجنتيهم اللتين كانتا تطعمان الفواكه جنتين بهذه الصفة ﴿وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ [سبأ: ١٦] والسِّدْر: شجر النَّبق، ومعنى "قليل" أنَّ الخَمْط والأثل كان في جنتيهم أكثر من السِّدْر لأن السِّدْر تؤكل ثمرته ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ أي: ذلك التبديل جزيناهم بكفرهم ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] قال طاوس: الكافر يجازى ولا يُغْفَر له، والمؤمن لا يناقَشُ الحساب.


(١) "التبصرة" ١/ ٣١٧.
(٢) "الصحاح": (يدي).