للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيقظ الله الفِتية، فجلسوا كأنهم ناموا من ساعتهم، لا يُنكرون من أحوالهم شيئاً، وهم يرون أن الملِك دقيانوس، فبعثوا يمليخا إلى المدينة على عادتهم ليشتري لهم طعاماً، فتَنكَّر وخرج، فرأى الحجارةَ على باب الكهف فعجب، ورأى أَثَرَ البنيان، وأتى بابَ المدينة، فرأى عليها علامةً تكون للمؤمنين، ورأى أُناساً لا يعرفهم، وسمعهم يحلفون بالمسيح، فقال: والله ما أدري ما هذا، عَشيَّةَ أمسِ ليس على وجهِ الأرض أحدٌ يذكر المسيح إلا قُتل، واليومَ كلُّ أَحدٍ يَحلف به لا يَخاف.

ثم دنا من واحدٍ، ودَفع إليه دراهم، فنظر إليها وعجب، ثم ناولها آخر فتَعجَّبَ، فقالوا له: إنك قد وَجَدْتَ كَنْزاً، وإن لم تُخْبِرْنا به حَمَلناك إلى المَلِك، وهو ساكت، فجعلوا كساءَه في عُنقه، وسحبوه في سِكك المدينة، وما يرى أحداً يَعرفه، وهو يَظنُّ أن أباه وأهلَه في الحياة، وأنهم يحملونه إلى دقيانوس، وجعل يبكي ويقول: فُرِّق بيني وبين إخوتي، يا ليتهم يعلمون ما حلَّ بي.

وكان على تدبير الملك رجلان صالحان: أرنوس وأنطوس، فقالا: يا فتى، أَين الكنز الذي وجدت؟ فقال: والله ما وَجدتُ كَنْزاً، قالا: فهذه الدَّراهم تَشهد عليك بتاريخ ضَرْبها من زمن دقيانوس منذ ثلاث مئة سنة، وأنت شابّ وخزائنُ هذه المدينة بأيدينا، وما فيها منها شيء، فإن أَخبَرتَنا وإلا عَذَّبناك، وهو يبكي ويقول: والله ما أدري ما أقول، ثم قال: وأين دقيانوس؟ قالا: ما نعرف اليوم في الأرض ملكاً يُقال له: دقيانوس، وإنما كان هذا منذ ثلاث مئة سنة.

فقال: أَصدُقكم؟ كنّا فِتيةً أَكرَهَنا دقيانوس على الذَّبحِ للطَّواغيت، فهربنا منه عشيَّةَ أمس، ونمنا في كهف؛ فلما كان اليوم بعثوني أَشتري لهم طعاماً، وهاهم في الكهف جُلوس يَعبدون الله، فلما سمع أرنوس كلامَه قال لهم: يا قوم، هذه آيةٌ أراكم الله إيّاها على يَدَي هذا الفتى، انطلقوا معه، وأخبروا الملك، وخرج معه الناس، وسبق يمليخا ودخل عليهم، وأخبرهم الخَبر.

وجاء أرنوس فدخل عليهم، فرأى وجوههم مُشرقة، لم تَبْلَ ثيابُهم ولم تتغيَّر، ووَجد اللّوح على باب الكهف، وفيه عَدَدُهم وتاريخُ يومهم، فأرسل إلى الملك: بادِرْ، فقد أَراك الله آيةً للعالمين، وجاء الملك فدخل عليهم الكهف واعتَنقَهم وبكوا جميعاً،