وذُبحَ للطّواغيت، وعُبِدت من دون الله، وفي الناس بقايا من أهلِ التّوحيد، مُتَمسِّكين بدين عيسى ﵇، وكان ببلدِ الروم ملكٌ يقال له: دقيانوس، يأمر الناسَ بالذَّبح للأصنام، ويُخيِّرهم بين ذلك وبين القتل، وبلغه خَبرُ الفتية، فاستدعاهم، وأمرهم بالذَّبح للطَّواغيت، فقال له أحدهم: أيّها الملك، إن لنا إلهاً ملأت عظمتُه السماوات والأرض، لن نَدعوَ من دونه إلهاً آخر، فقال دقيانوس: أنتم من أولادِ الملوك، وما أحبُّ أن أَعجَل عليكم بالعُقوبة، وأنتم شباب، حتى أضربَ لكم أَجَلاً تَنظرون فيه لأنفسكم، فخوجوا من عنده.
واتّفق أنه مضى إلى بلدٍ آخر لأمرٍ عَرَض له، فقال بعضُهم لبعض: اخرُجوا بنا إلى الجبل، فإن عاد الملك وذَكرَنا قَتلَنا، فخرجوا، واتَّبعهم كلبُ راعٍ، فطردوه فلم يَرجِع، فردُّوه ثانياً فأنطقه الله وقال: لِمَ تَطردوني؟ إنْ لم أكن من جِنسكم، فمعبودكم ليس من جنسكم، دعوني أَحرُسكم إذا نِمتم، فعجبوا منه.
ثم دخلوا الكهف، وجعل يمليخا -أحدهم- يدخل المدينة فيأتيهم بالطّعام، ويتحسَّس لهم الأخبار، وقَدِم الجبَّار إلى المدينة فذكرهم، فجاء يمليخا إليهم وهو يبكي، فأخبرهم، فخوّوا سُجَّداً لله تعالى يبكون وَيتضَرَّعون، وذلك عند غُروب الشمس، فضرب الله على آذانهم في الكهف سنينَ عددا، فناموا ونام الكلب وهو باسِطٌ ذراعَيه بالوَصيد، أي: بعَتَبة الباب.
وجاء دقيانوس وراءهم، فوَجدهم في الكهف، فسدَّ عليهم الباب عقوبة لهم، وفي ظنِّه أنهم أحياء أيْقاظ.
وكان في أصحاب دقيانوس رجلان على دين الفتية، فكتبا أسماءَ الفِتيَة في لوح من ذَهب، ودفناه عند الباب، وقالا: لعلّ الله أن يُطْلِعَ على أحوال هؤلاء الفتية قوماً مؤمنين، فَيُعْلَم عِلْمُهم، ومات دقيانوس، وخَلَفت الملوكُ قرناً بعد قرن وهم على حالهم. فقصَّ الله على نبيِّه ﷺ أخبارَهم.
وكان سببُ إيقاظهم أنه مَلَك تلك البلاد مَلِك صالح، فرأى اختلافَ الناس في الأديان، فسأل الله أن يُريَه آية يستدلُّ بها على التوحيد، فمرَّ بهم راع في ليلةٍ باردة، ففتح باب الكهف وآوى إلى جانبه غَنَمَه.