وكان يقول: سَبُعُك بين لَحْيَيك، تأكل به كلَّ مَن مرَّ عليك، قد آذيتَ أهلَ الدُّور في دورهم، وأهلَ القبورِ في قبورهم، ما تَرثي لهم وقد جرى عليهم البِلى وأنت تَنْبُشُهم، إنَّما نرى نبشَهم أخذَ الخِرَق عنهم، إذا ذكرتَ مساوئَهم فقد نبشتَهم، إنَّه ينبغي أن يدلَّك على ترك القولِ في أخيك ثلاثُ خِلال: أمَّا واحدة، فلعلك أن تذكرَه بأمرٍ هو فيك، فما ظنُّك بربِّك إذا ذكرتَ أخاك بأمرٍ هو فيك؟ ولعلَّك تذكره بأمرٍ هو فيك أعظم، فذلك أشدُّ استحكامًا لمقته إيَّاك. ولعلك تذكُره بأمرٍ قد عافاك اللهُ منه، فهذا جزاؤه إذ عافاك الله؟! أما سمعتَ: اِرحم أخاك وأحمد الذي عافاك؟
ثم قال: يا أميرَ المؤمنين، حدَّثني صديقٌ لي كان يسافر إلى بلاد الصِّين، وكان صديق ملكِ الصين، قال: جمعتُ له هديةً فاخرة وألطافًا كثيرة، ثم دخلت الصِّين، فوافيته قد مات ولدُه، فدخلتُ عليه، فلم أرَه يكترث ولا يُزعَج لموت ولدِه، فلمَّا خرجَت الجنازةُ إلى الصحراء، إذا بعشرة آلافِ وَصيفٍ ووَصيفة، على أيديهم أطباقُ الذهبِ والفضَّة مغطَّاة بالسُّندس، مُمَنْطَقين بمناطق الذهبِ والفضَّة، قد أحدقوا بالجنازة يُزَمْزِمون حولها، وإذا بعشرة آلافٍ من الرُّهبان والزهَّاد عليهم المُسوحُ والشَّعر، بأيديهم الأناجيلُ وهم يقرؤونها، فأَحدقوا بالجنازة، وإذا بعشرة آلافِ فارس، كلُّ واحدٍ يُعَدُّ بألوف، وهم على الخيول السَّوابق، مدرَّعين بأحسنِ العُدَد
(١) الأبيات الثلاثة الأولى في المدهش ص ٥٢٢ دون نسبة.