وخرج الملكُ يمشي في خواصِّه وأصحابهِ إلى المقابر، فلمَّا دفن رجع الملكُ إلى قصره، فجلس واستدعاني، فقال لي: أرأيت ما رأيت؟ قلت: نعم، فقال: أما الوصائف والوصفاء، فحملوا ما في خزائني من الجواهر واليواقيتِ واللآلئ المثمنةِ التي لا توجد إلَّا في خزائني، فلمَّا أَحدقوا به، زمزموا وقالوا: يا سيِّدَنا، لو أن الذي قبض روحك يقبل رِشوة، لكان فيما معنا من الجواهر واللآلئِ واليواقيت والأموالِ كفاية، ولكن الذي قبض روحَك لا يقبل الرُّشا. أرأيت أصحابَ المُسوحِ والشَّعر؟ أولئك عبَّاد بلادِنا ورهبانُهم وعلماؤنا، قالوا: يا ابنَ الملك، لو كان الذي قبض روحَك يقبل شفاعة، لشفعنا إليه فيك، ولكنّه لا يقبل، أرأيتَ أصحاب الدُّروع والسِّلاح؟ هؤلاء قوَّاد الملكِ وخواصُّهم، ركبوا خيولَهم وحصلوا سلاحَهم وقالوا: لو كان الذي قبض روحَك ممَّن يحارب لَحاربناه، ولكن ممَّن لا يحارب. ثم قال لي: يا مسلم، هل أبقينا بقيَّة؟ قلت: لا.
قال ابن السَّماك: فلمَّا فرغت من حديثي، قال هارون: لله درُّه من كافرٍ ما كان أحسنَ يقينَه! ثم بكى هارونُ حتَّى غُشي عليه، فقال بعض خواصِّه لابن السمَّاك: اُرفق بأمير المؤمنين، فقال: دَعه فليمت حتَّى يقال: خليفةُ اللهِ مات من مخافة اللهِ تعالى.
ونظر ابنُ السمَّاك إلى أقوامٍ عليهم الصوفُ فقال. لَئن كان لباسُكم موافقًا لسرائركم، لقد أَحببتم أن يطَّلعَ النَّاسُ عليها، ولَئن كان مخالفًا لها، لقد هلكتم.
وكان يقول: الذُّباب على العَذِرة أحسنُ منَ القرَّاءِ على أَبواب الملوك.
وقال أحمدُ بن أبي الحَوَاري: مرض ابن السمَّاك، فحملنا ماءً إلى طبيب نصرانيِّ بالحِيرة، فبينا نحن بين الكوفةِ والحِيرة، استقبَلَنا رجلٌ حسن الوجهِ طيِّب الرِّيح نقيُّ الثياب، فقال: أين تريدون؟ فأَخبرناه، فقال: سبحان الله! تستعينون بعدوِّ اللهِ على وليِّ الله! اِضربوا به الأرضَ وارجعوا إلى ابن السمَّاك وقولوا له: ضع يدَك على موضع الوجعِ وقل: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء: ١٠٥] ثم غاب عنَّا. فعدنا إلى ابن السمَّاك فأخبرناه، فوضع يدَه على المكانِ وقرأ الآية، فعوفي من ساعته، فقلنا: مَن ذلك الرَّجل؟ فقال: الخَضِرُ ﵇.