للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن سعدٍ بإسناده عن عبد الملك بن نَوْفل: إن عمرو بن معدي كَرِب قال: كانت خيلُ المسلمين تَنْفِرُ من الفِيَلة يوم القادسيةِ، فأمرتُ رجلًا فترَّسَ عني، ثم حملتُ على الفيلِ الأكبرِ، فضربتُ خَطْمَهُ بالسيفِ فقطعتُه، فنَفَر ونَفَرت الفِيَلةُ فحطَّمت العسكرَ، فانهزموا.

وقال عمرو (١): إن الفِيَلَة ليس لها مَقتلٌ إلَّا خراطيمَها، وليس للخراطيم إلا السُّيوفُ.

وقال ابن سعد بإسناده عن قَيس بن أبي حازم قال: شهدتُ القادسية، فسمعتُ عمرو بنَ معدي كَرِب وهو يمشي بين الصفَّين ويقول: يا معاشِرَ المسلمين، كونوا أُسودًا، إنّما الفارسيّ تَيْسٌ بعد أن يُلقي نَيْزَكه، فَحمل عليه أُسوارٌ، فالتقاه فألقاه، ثم جلس على صدرهِ فذبحه، وأخذ سَلَبه (٢).

ولعمروٍ واقعاتٌ عجيبة، فحكى هشام، عن أَبيه، عن عمرو قال: حضرتُ في الجاهلية بذي المجَازِ -وهو سوقُ عرفات- فرأيتُ حُبَّى الكِنْديّةِ، فأعجبني جمالُها، فعرضتُ نفسي عليها وقلتُ: هل لكِ في كُفءٍ كريم، ضَروبٍ لهامِ الرجالِ غَشُوم، مُواتٍ لكِ، طيِّبِ الخِيم، من سعدِ العَشيرةِ في الصَّميَّمَ، قالت: من أيّ سعدِ العَشيرةِ؟ قلتُ: من أُرومةِ مَحْتِدِها وغُرَّتِها المُنيرةِ، إن كُنتِ بالنَّسب بَصيرة، فقالت: إن لي بَعْلًا يَصدقُ اللقاءَ، ويُخيفُ الأعداءَ، ويُجزِلُ العطاءَ، قال فقلتُ: لو علمتُ أنَّ لكِ بعلًا لما سُمْتُكِ نَفسَك، ولا عَرضتُ نفسي عليكِ، فكيف أَنْتَ إن قتلتُه؟ قالت: لا أَصِيفُ عنك، ولا أَعدِلُ بك، ولا أُقَصِّرُ دونك، وإياكَ أن يَغُرَّك قولي، فتُعرِّضَ نفسك للقَتلِ؛ فإنِّي أراك مُفْرَدًا من الناصرِ، وبعلي في عِزٍّ من المالِ والأهلِ.

ثم قامت ومَشَت، فتبعتُها من حيثُ لا تَشعرُ، فلما قَدِمَت على زَوْجها سألها عمّا رأتْ في طريقها، فقالت: رأيْتُ رجُلًا مَخيلًا للبَأسِ، يتعرَّضُ للقتالِ، ويَخطبُ حَلائل الرِّجال، فعَرضَ عليَّ نفسَه، فوصفتُك له، فقال: ذاك -يعني بعلها-[عمرو]، وَلَدتني أُمُّه إن لم آتِكِ به مَقْرونًا مَجنوبًا إلى جملٍ صعب المراس، غير ذَلول.


(١) من هنا إلى ما بعد صفحات ليس في (أ) و (خ).
(٢) الأخبار الثلاثة في طبقات ابن سعد ٦/ ٢٧٠.