للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسلم، وخرج إلى مكة معتمرًا في أيام أبي بكر ، فمرَّ بجنَبَات المدينة، فقيل لأبي بكر : هذا طُليحة، فقال بعد أن أسلم: دَعوه فقد هداه اللَّه إلى الإِسلام، وعاد إلى الشام بعد ما قضى عُمرته.

ولما قام عمر رضوان اللَّه عليه جاء طُليحةُ إليه مُبايعًا له، فقال له عمر رضوان اللَّه عليه: أنت قاتلُ عُكَّاشة وثابت بن أَقرم، لا أُحبُّك بعدهما، فقال: يا أمير المؤمنين، وما تنقم من رَجُلين أكرمهما اللَّه تعالى بيدي، ولم يُهنّي بأيديهما، وما كلُّ القلوب جُبلت على الحبّ، ولكن صَفحة جميلة، فإن الناس يَتصافحون على الشَّنَآن، فبايعه عمر رضوان اللَّه عليه، وأسلم إسلامًا صحيحًا وقال: [من الطويل]

نَدمتُ على ما كان من قَتْلِ ثابتٍ … وعُكَّاشَةَ الغَنْميِّ ثم ابنِ مَعْبَدِ

وأعظمُ من هاتَين عندي مُصيبةً … رُجوعي عن الإِسلام فِعْلَ التَّعَمُّدِ

وتَركي بلادي والحوادثُ جَمَّةٌ … طَريدًا وقِدْمًا كنتُ غيرَ مُطَرَّدِ

فهل يَقبلُ الصِّدّيقُ أني راجِعٌ … ومُعطٍ بما أحْدَثْتُ من حَدَثٍ يَدي

وأنّيَ من بعد الضَّلالةِ شاهدٌ … شهادةَ حقٍّ لستُ فيها بمُلْحدِ

بأنّ إله النّاسِ ربي وأنني … مُقرّ وأن الدّين دينُ محمّد

ولما خرج طُليحة إلى الشام هاربًا هو وأصحابُه يُريدون الرُّوم ركبوا البحر مُلَجِّجين، وإذا بقَادِس من قَوادِس الرُّوم (١)، فيه جماعةٌ منهم، فنادَوْهم: إما أنْ تَثِبوا إلى سفينتنا، أو نَثِبَ إلى سفينتكم، فدنا منهم طُليحة، ووَثب حتى صار معهم في السّفينة، وغَشيَهم بسيفه، فقتل منهم مَن قَتَل، واستسلم مَن استسلم، وألقى نفسَه في البحر منهم جماعة فغرقوا، وبلغ ذلك عمر رضوان اللَّه عليه فأعجبه.

وأقام طُليحة إلى أيام القادسيّة مُسلمًا في قومه، لم يُغمَضْ عليه شيء، حتى جَهّزه عمر رضوان اللَّه عليه إلى العراق، فقُتل بنَهاوَنْد رحمة اللَّه عليه (٢).


(١) القادس: سفينة عظيمة.
(٢) ترجمة طليحة ليست في (ك)، وانظر الردة للواقدي ١٠٠، وطبقات ابن سعد ٦/ ١٥٥، والاستيعاب (١٢٨٣)، وتاريخ دمشق ٨/ ٥٨٩، والمنتظم ٤/ ٢٨٢، والتبيين ٥١٣، والتوابين ١٥٢ - ١٥٤، والسير ١/ ٣١٦، والإصابة ٢/ ٢٣٤.