وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ﴾ [طه: ٨٥] أي: ابتليناهم واختبرناهم وكانوا ست مئة ألف، فافتتن منهم عشرة آلاف. وقيل: كلهم عبدوه إلا عشرة آلاف ثبتوا مع هارون، ولهذا قال: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي﴾ لأنهم كانوا الجمَّ الغفير. ولما عاتبهم موسى ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ أي: ونحن نملك أمرنا ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ أي: من حُلِيِّ [آل] فرعون، فجمعناها ودفعناها إلى السامريِّ، فألقاها في النار أو في الحفيرة لترجع فترى فيها رأيك، ففعل ما فعل.
وقال ابن عباس: كان هارون قد مرَّ على السامريِّ وهو يصوغ العجل، فقال: ما تصنع؟ فقال: ما يضرُّ ولا ينفع، فقال: اللهم ارزقه ما سأل، فكان كما قال هارون. فنهاهم هارون عن عبادته فقالوا: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١] أي: مقيمين. فلما عاد موسى سمع الصياح والجلبة، وهم يرقصون حول العجل، فقال: ما هذا؟ فقيل له: صوت الفتنة، فقال: ﴿يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا﴾ أي: أخطأوا، ألا تبعت أمري وقبلت وصيتي أو فارقتهم ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٢ - ٩٣] فراجعه بقوله: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ﴾.
فإن قيل: فهارون أخوه من أبيه وأمه، فلِمَ كرَّر قوله: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ﴾ فالجواب من وجوه:
أحدها: أنه أراد استعطافه وترقيقه، قاله الكلبي.
والثاني: أنه قد قيل: إنه كان أخاه لأمه.
والثالث: فلأن الولد من الأم من جهة الحقيقة ومن الأب من جهة الحكم.
وإنما خصَّ اللحية والرأس بقوله: ﴿لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ لأنهما عضوان يقصد بهما الإكرام من دون سائر الأعضاء ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ إن أنكرت عليهم أن يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضًا ﴿أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤] أي: لم تراقب وصيتي حين قلت: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ (١).