للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُنكر عليهم فيما يبدو منهم من الأمور التي يتعيَّن فيها الإنكار، وهم يتطفَّلونَ عليه" (١). وليس كلام اليونيني من قبيل المجازفة، بل هو صحيح، وربما أخذه من كلام أبي المظفر نفسه عندما ترجمَ لزوجته زينب بنت أبي القاسم قاضي حماة، فقال: "كانت صالحةً ديِّنةً مُتفقهةً، تعمل ألوانَ الطَّبايخ والحلاوات، وكان الملوك يرغبونَ في صنعتها، ويُعجبهم طعامُها" (٢)، وهذا يؤكّدُ زيارة الملوك والأمراء له في منزله.

وكان أبو المظفَّر يُسخِّرُ صلته بتلك الطبقة لقضاء حوائج الناس ونَفعهم قدر المستطاع، فقد زارهُ العلامةُ ابنُ الصلاح ذاتَ يوم في مَسكنهِ على ثورا، ورجاه أن يطلبَ من الملك المعظَّم عيسى أن يولِّيه مدرستَه، مع علمه أن المعظَّم غير راضٍ عنه، فما كان من أبي المظفَّرِ إلا أن بادر إلى الملك المعظَّم يَستعطفه ويُطيِّبُ خاطره على ابنِ الصلاح حتى وَلّاهُ تلك المدرسة، وكذلك سعى عنده للسيف الآمدي حتى فوَّضَ إليه أمرَ المدرسة العزيزية، وكثيرًا ما كان يَسعى في إطلاق مَن سُجنَ ظلمًا كما فعل مع أمةِ اللطيف خادمة ربيعة خاتون (٣).

وقد تولَّى أبو المظفَّر -إلى جانب عقده مجالسَ الوعظِ في الجامع الأموي وجامع جبل قاسيون- التدريسَ في عددٍ من مدارس دمشق، ففي سنة (٦١٥ هـ) فوَّض إليه الملكُ المعظَّمُ تُربةَ بدر الدين حسن -أحدِ أولاد الدَّاية- بسفح جبل قاسيون على نهر ثورا عند جسر كحيل، وكتب بذلك منشورًا، وبعثَ به إليه، فكانت مَسكنَه، ومقرَّ مطالعتِه وتصنيفهِ، يقول العلامة أبو شامة: "وما أكثر ما كنتُ أراهُ جالسًا في شُبّاك التُّربة أو في الصُّفَّةِ الخارجة في النهر، ومعه كتابٌ يُطالع فيه أو يَنسخُ منه" (٤).

وفي سنة (٦٢٣ هـ) فوض إليه المعظَّم التدريسَ بالمدرسة الشِّبليَّة التي أنشأها شِبلُ الدولة كافور الحُسامي قبالةَ البدرية، وكذلك تولَّى التدريس بالمدرسة العِزِّيةِ البَرَّانيَّة


(١) ذيل مرآة الزمان: ١/ ٤٠.
(٢) المرآة ٢٢/ ٤٠٠.
(٣) مرآة الزمان ٢٢/ ٣٩١.
(٤) المذيل على الروضتين ١/ ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>